أحدهما: تحذير لهذه الأمة؛ لئلا يتفرقوا كما تفرق أُولَئِكَ في رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وفيما جاء به.
والثاني: يكونون أبدا فزعين إلى اللَّه - تعالى - في كل وقت، خائفين منه، وألا يكلوا إلى البيان الذي جاءهم؛ فيتفرقوا كما تفرق أُولَئِكَ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6).
ظاهر هذا أن يكون تأويل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ)، أي: بعض المشركين في النار، لا كل المشركين، ولكن من كفر من المشركين، كان كمن كفر من أهل الكتاب في نار جهنم، لكن الكفر هو الشرك، والشرك هو الكفر؛ كقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ. . .)؛ فدل أن الكفر والشرك واحد؛ فكل كافر مشرك؛ فكأنه قال: إن الذين أشركوا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أُولَئِكَ هم شر البرية.
ثم جاء كل هذا التشديد لهَؤُلَاءِ؛ لأن أهل الكتاب ادعوا أنهم من نسل الأنبياء، ثمِ تركوا اتباعهم، والمشركون قد (. . . أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ. . .)، ثم نقضوا ذلك العهد.
وأهل الكتاب قالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)، فتركوا اتباع الصالحين من آبائهم.
والعرب - أيضا - كانوا أقرب إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من غيرهم؛ فحقه عليهم ألزم وأوجب؛ فشدد على هَؤُلَاءِ لهذا المعنى.
ثم إن كان البرية مأخوذًا مقدرا من البري وهو التراب، ويرجع تأويل الآية إلى البشر؛ كأنه قال: أُولَئِكَ هم شر ما أنشئ من الأرض.
وإن كان مأخوذا مقدرا من البرا وهو الخلق؛ فيصير كأنه قال: أُولَئِكَ هم شر ما خلقوا؛ فيدخل في ذلك الملائكة والجن والبشر، وفي الأول لا يدخل إلا البشر خاصة.