فتخلصه عن ذلك؛ فيكون في ذلك كله فكاك الرقبة عن المهالك؛ لتكتسب بها الحياة الطيبة في الآخرة.
واختلف القراء في هذا الحرف:
فمنهم من قرأه: (فَكَّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) على النصب.
ومنهم من قرأه: (فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ) على الرفع.
فإذا قرأته بالنصب، فمعناه: هلا فك رقبة، أو أطعم؛ فيكون راجعا إلى تفسير الاقتحام.
وإذا قرأته بالرفع، انصرف التأويل إلى تفسير العقبة؛ فكأنه قال: قطع العقبة يكون بالفك وبما ذكر.
وذكر عن سفيان بن عيينة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: كل ما في القرآن: (وَمَا أَدْرَاكَ)، فقد أعلمه ودرَّاه، وكل ما فيه (وَمَا يُدْرِيكَ)، فهو لم يعلمه، واللَّه أعلم.
والمسغبة: المجاعة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَا مَقْرَبَةٍ (15):
أي: ذا قرابة منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَا مَتْرَبَةٍ (16):
أي: ألصق بطنه بالتراب.
وقيل: الذي ليس له شيء يحجبه عن التراب.
ثم في قوله: (يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ) دلالة وجوب حق اليتيم على القريب إذا كان محتاجا؛ فيكون فيه حجة لقول أصحابنا: إن اليتيم إذا كان محتاجا، فرضت نفقته على أقربائه.
وفي قوله: (أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ) دلالة أن المسكين الذي وصفه، وهو ألا يكون بينه وبين التراب حائل، فكفايته تلزم الخلق جملة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17):
فتأويله أنه لا ينفعه فك الرقبة ولا الإطعام؛ حتى يكون مؤمنا مع ذلك، متواصيا بالصبر