فِي الْبِلَادِ) في ذكر نبأ عاد وثمود وفرعون فوائد ثلاث:
إحداها: في موضع التخويف لأهل مكة الذين كذبوا رسوله - عليه السلام - وهو أن أُولَئِكَ القوم كانوا أكثر أموالا وأولادا وأعدادا، وأكثر في القوة من هَؤُلَاءِ الذين كذبوا محمدا عليه أفضل الصلوات، فلم يغنهم ذلك كله من اللَّه تعالى شيئا؛ بل اللَّه تعالى انتقم منهم لرسله - عليهم السلام - بما كذبوهم، فما بال هَؤُلَاءِ الذين كذبوا محمدا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لا يخافون مقته وحلول النقمة بهم بتكذيبهم رسوله، وليسوا بأكثر من أُولَئِكَ في العدد والمال والقوة؟!
وفائدة أخرى: أن أُولَئِكَ كانوا يزعمون أنهم باللَّه - تعالى - أولى من مُحَمَّد عليه الصلاة والسلام وأتباعه؛ لما بسط لهم من النعيم، وضيق على الرسول وأتباعه؛ فبين أن الذين تقدمهم من مكذبي الرسل كانوا أرفع منهم في القوى والأموال والأولاد والأعداد، وكانت رسلهم في ضيق من العيش، ثم كانوا هم أولى باللَّه تعالى من المكذبين المفتخرين بكثرة الأعداد والقوى؛ فبين لهم هذا ليعلموا أن ليس الأمر على ما ظنوا وحسبوا.
والثالثة: أنهم كانوا يمتنعون عن الإيمان باللَّه تعالى وبرسوله، وكانوا يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)؛ فيكون في ذكر هذا نفي التقليد لأُولَئِكَ؛ لأنه كان في آبائهم من أهلك بتكذيبهم الرسل، وهم الفراعنة وأتباعهم، وفيهم من نجا، وهم الرسل وأتباعهم المصدقون لهم، فما بأنهم قلدوا المهلكين منهم دون الذين نجوا؟!.
ثم الآية لم تسق؛ لتعرف نسب عاد وثمود وفرعون حتى نشتغل بتعرفه، وإنما سيقت للأوجه التي ذكرنا؛ فالاشتغال بتعرف أنسابهم وأحوالهم نوع من التكلف.
وقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) فقوله: (أَلَمْ تَرَ) يحتمل وجهين:
أحدهما: أي: قد رأيت؛ أي: علمت؛ كما يقال في الشاهد: ألم تر إلى ما فعل