سُورَةُ الْفَجْرِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14).
قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ) كان العرب من عادتهم أنهم إذا استحسنوا شيئا عظموه، وإذا عظموه أقسموا به.
ثم إن اللَّه - تعالى - جعل في الحج وأوقاته لطائف من الحكمة وعجائب من التدبير، فمن لطيف حكمته وعجائب تدبيره أنه جعل المكان الذي يحج فيه مأمنا للخلق من وجه لا يعرف الخلائق المعنى الذي به وقع الأمن والإلف بين الخلق؛ حتى رغبوا جميعا في الاجتماع هنالك مع تباغضهم وتعاديهم فيما بينهم من وجه لا يدرك معناه، وجعل أهلها يتقلبون في البلاد آمنين؛ حتى قال - عَزَّ وَجَلَّ - لنبيه - عليه السلام -: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ) وسخر أهل الآفاق في حمل ما يقع لأهل مكة إليه حاجة من الميرة وغيرها، وجعلهم بحيث يرغبون في الإتيان إليها مع عظم ما يلزمهم من المؤن في الإتيان إلى مكة للحج؛ فثبت أن فيها معاني ولطائف هي خارجة عن قواهم وتدبيرهم؛ فكان في ذكرها ما يوجب القول بالقدرة على البعث، ويزيل عنهم الشبهة في أمرهم؛ فأقسم لما عظم من شأنها لمكان أنها أوقات الحج، فعامة أركان الحج تؤدى فيها، وعادة أن عرب أنهم يقسمون بآبائهم وأجدادهم وأصنامهم؛ لما هي معظمة عندهم، وهذه الأشياء معظمة عندهم؛ فجرى القسم بها؛ جريا على عادتهم، ويدخل في أوقاتها الشفع والوتر والفجر، فقالوا: الشفع: يوم النحر؛ لأنه اليوم العاشر من الشهر، والوتر يوم عرفة؛ لأنه اليوم التاسع.
وجائز أن يكون أريد بالشفع والوتر والليل إذا يسر: العبادات جملة إذ ما من عبادة إلا وفيها شفع ووتر.