بقوا أبدا في النصب والعمل في الدنيا والآخرة.
وجائز أن يكون نصبها وعملها في النار، وهو أنها لم تعمل في الدنيا؛ بل تكبرت عن طاعة اللَّه - تعالى - فأعملها وأنصبها في الآخرة بمعالجة الأغلال والسلاسل في النار الحامية.
أو عملت في الدنيا بالمعاصي ونصبت في الآخرة؛ فيكون فيه تبيين العمل والجزاء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4) أي: حارة، قد أحماها اللَّه - تعالى - من يوم خلقت إلى الوقت الذي يسقى منها.
وقوله: (تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5) قيل: الآني: الذي قد انتهى في الحر غايته حتى لا حر أحر منه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) اختلف في الضريع:
منهم من يقول: سمي: ضريعا؛ لأنهم يتضرعون عنه، ويجزعون إذا طعموا.
ومنهم من جعل الضريع لونا من ألوان العذاب لم يبينه اللَّه - تعالى - للحلق.
ومنهم من قال: الضريع: اسم لنبت قد عرفته العرب فيما بينهم تأكله الإبل والدواب ما دام رطبا؛ فإذا هاج ويبس تركت الدواب أكله، وعافته لخبثه وكثرة ما عليه من الشوك، ويسمونه: شبرقا في الربيع، وإذا هاج وجف، يسمونه ضريعا، فذلك النبت في الدنيا يعمل في إسمان الدابة ويغنيها من الجوع، فنفي اللَّه - تعالى - وجه الإسمان والإغناء، وحصل أمره على الخبث بقوله: (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)، وهو كقوله: (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ)، فالسدر اسم شجرة ذات شوك في الدنيا، فأنشئت في الآخرة بلا شوك، ووصف خمر الجنة فقال: (لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ)، والخمر في الدنيا تعمل في التصديع، وهي تنزف؛ فنفى عنها هذه الآفات، وجعلها شرابا سائغا لذة للشاربين، فكذلك الضريع نفى به ما يقع به الإسمان والإغناء، وحصل أمره على الخبث، واللَّه أعلم.