كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ)، أي: لا يقضي عليه حتى يتخلص من أوجا عها.
قوله تعالى: (وَلَا يَحْيَى)، فالحياة التي ينتفع بها في الدنيا هي التي ترتفع عنها آلام الموت، وأوجاعه، فقوله: (وَلَا يَحْيَى)، أي: لا يرتفع عنه ألم الموت.
أو يكون قوله: (لَا يَمُوتُ) فيستريح (وَلَا يَحْيَى) حياة يتلذذ بها.
* * *
قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى. بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى. إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)، أي: من أتى بما تزكو به نفسه، أو أتى بما تطهر نفسه به، وسنذكر في سورة: " وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا " ما تأويل الفلاح؟ إن شاء الله تعالى.
وقوله: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) يحتمل أن يكون أريد به أنواع العبادات، لا الصلاة المعروفة وحدها؛ لأن الصلاة اسم للدعاء والثناء ولأنواع من الكرامات؛ فإنه يقول: بذكر الرب ما يصل إلى العبادات، ومن أعرض عن ذكره حرم أداء العبادات.
أو يكون منصرفا إلى الصلاة المعروفة؛ فيكون قوله: (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)، أي: يصلي بتقديمه اسم الرب؛ فيكون ذلك منصرفا إلى الافتتاح؛ فيكون حجة لأبي حنيفة - رحمه اللَّه - أن المصلى له أن يفتتح صلاته بأي أسماء اللَّه تعالى أحب.
ثم ذكر اسم الرب يقتضي المعاني التي ذكرنا في قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) أي: تؤثرون حياتها على حياة الآخرة، ويكون الخطاب منصرفا إلى المنافقين والكفرة، لا إلى أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ثم كانوا في الإيثار مختلفين؛ فمنهم من آثرها في أن نظر في الدنيا وأعرض عن النظر في الآخرة وجحدها.
ومنهم من كان أغلب سعيه لأمر الدنيا.
ومنهم من كان يؤثر بعض أحوالها على الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) أي: إيثار الحياة الآخرة خير وأبقى من إيثار الحياة الدنيا.