الأول، وهو أن يحمده بالثناء الذي يتضمن التوحيد والتنزيه عن معاني الخلق.
ومن قال: سبح ربك بأسمائه؛ فهذا ظاهر، وهو أن يقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، وأسماؤه معروفة، لا نحتاج إلى إظهارها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْأَعْلَى) ظاهره يقتضي أن يكون هناك أدون وأسفل، وكذلك قول: " اللَّهُ أَكْبَرُ " ظاهره يقتضي الأصغر، ولكن معنى قوله: (الْأَعْلَى) أي: هو أعلى من أن تمسه حاجة أو تلحقه آفة، وكذلك هذا في الأكبر، ويكون الأكبر والأعلى في النهاية عن تنزيه المعاني التي ذكرنا، وهو كقولك: هو أحسن وأجمل، فإذا قلت: أحسن وأجمل، أردت به النهاية في الحسن والجمال.
أو يكون (الْأَعْلَى) بمعنى: العلي و " الأكبر " بمعنى: الكبير، وذلك جائز في اللغة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) يحتمل أوجها:
أحدها: أن يكون سواه على ما قدره، خلافا لأفعال الخلق؛ لأن الفعل من الخلق يخرج مرة سويا على ما قدر، ومرة بخلافه.
أو يكون سوى الخلق كله في دلالة وحدانيته وشهادة ربوبيته، فما من خلق خلقه إلا إذا تفكر فيه العاقل، دلت خلقته على معرفة الصانع، ووحدانية الرب.
أو سواه على ما فيه مصلحته ومنفعته.
أو سواه على ما له خلق؛ ألا ترى أن الإنسان إذا أمر بالركوع والسجود خلقه من وجه يتمكن من الركوع والسجود؛ فهذا معنى قولنا: إنه سواه على ما له خلق، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) يحتمل أوجها:
أحدها: هداه إلى ما أحوجه إليه، فهدى العبد إلى معيشته من أين يأخذها؟ وهدى كل دابة إلى رزقها وعيشها، فعرفت كل دابة رزقها.
أو يكون قوله: (فَهَدَى)، أي: هدى به.
أو تكون الهداية منصرفة إلى أمر الدِّين، وذلك يرجع إلى الخصوص من الخلق الذين لهم عقول مميزة؛ فيكون معناه: هدى فيمن هدى.
وطعنت المعتزلة علينا بهذه الآية، فقالت: إن اللَّه - تعالى - يقول: (قَدَّرَ فَهَدَى)، وأنتم تقولون: قدر فأضل؛ ولكن هذا التحقيق يرجع إليهم؛ لأنهم يحملون تأويل