عجزه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) أي: يظهر ما كان أخفى منها؛ فجائِز أن يكون الإظهار منصرفا إلى التي لم يطلع عليها الملائكة؛ فتكتبها عليه، فيذكره اللَّه - تعالى - تلك السرائر كيف شاء، فيقررها عليه، أو تنطق جوارحه بها كقوله - تعالى -: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ. . .) الآية.
أو يكون إظهار القراءة ما عليه؛ فيظهر ذلك للخلق، وإن كان قد أسرها عنهم في الدنيا، ثم سمى ذلك: ابتلاء؛ لأن الابتلاء هو الاختبار، وإنما يكون الابتلاء بالسؤال، أو بالأمر والنهي، فسمى ما يسأل عنه في الآخرة: ابتلاء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن ليست له قوة في كتمان ذلك على نفسه، ولا له قوة نفي العذاب عن نفسه لو كتم.
أو ما له من قوة يمتنع بها، ولا ناصر يمنعه عن نزول العذاب به.
ووجهه: أن الكفار كانوا يفتخرون بقواهم وكثرة أنصارهم في الدنيا فكانوا يظنون أنهم لو أريدوا بالتعذيب، دفعوا ذلك بأنصارهم، وبما لهم من القوى؛ فيخبر اللَّه - تعالى - أن قواهم وكثرة أنصارهم لا تنفعهم في الآخرة، ولا تدفع عنهم بأس اللَّه تعالى، وكانوا يعبدون الأصنام؛ لتقربهم إلى اللَّه - تعالى - وتنصرهم من العذاب؛ كما قال: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ)؛ فبين أنها لا تغني عنهم من اللَّه - تعالى - شيئا.
* * *
قوله تعالى: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ) قال أبو عبيدة: الرجع: هو الماء؛ أي: السماء ذات المطر.
وقال غيره: (ذَاتِ الرَّجْعِ)، أي: تعود في كل عام إلى ما كانت عليه في العام الذي قبله بالمطر، والرجع: هو العود.