وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) جائز أن يكون أراد به الشراب الذي وصفه في قوله: (رَحِيقٍ مَخْتُومٍ. . .) الآية.
والتنافس حرف يستعمل في الخيرات؛ كأنه يقول: فليرغبوا في الشراب الذي هذا وصفه، الذي لا غول فيه ولا هم ينزفون، لا في الشراب الذي يذهب بالعقول، ويضعف الأبدان، ويتلف الأموال.
أو فليتنافسوا في النعيم الذي وصف هاهنا، لا في النعيم الذي ينقطع ولا يدوم؛ فكأنه يقول: فليرغبوا فيما يعقب لهم النعيم الدائم والشراب الذي لا تنقطع لذته.
وقيل: (خِتَامُهُ مِسْكٌ): ما بقي في الكأس من البقية يكون ذلك مسكا.
والتنافس إنما يكون في المسارعة في الخيرات، وترك الاتباع للشهوات، والانتهاء عن المعاصي، وهو كقوله: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)، أي: فليكن عملهم بما يثمر لهم ما ذكر من النعيم، لا في الذي ينقطع، وتكون عقباه النار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) قيل: التسنيم: شيء أعده اللَّه - تعالى - لأوليائه، لم يطلعهم عليه في الدنيا، وهو من قرة الأعين التي لا تعلمها الأنفس، فوصف مرة المزاج بالمسك، ومرة بالكافور بقوله: (كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا)، ومرة أخبر أنه ممزوج بالتسنيم، ولم يبين ما التسنيم، والسنام: اسم ما ارتفع من الشيء؛ فيجوز أن يكون سمي: تسنيما؛ لأنه ينحدر إليهم من الأعلى، وأخبر أنه ممزوج بما إلى مثله ترغب الأنفس في الدنيا وتشتاق إليه؛ ألا ترى أن الشراب في الدنيا إذا كان ممزوجا فهو في القلوب أوقع، وتكون الأنفس إليه أرغب منه إذا كان غير ممزوج، فرغبوا بمثله في الآخرة.
وذكر بعض أهل التفسير أن المقربين يسقون من ذلك الشراب صرفا، ويمزج لغيرهم.
وقال الحسن: المزاج يكون للمقربين وغيرهم، وجعل الممزوج منه أشرف، على ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28).
المقربون هم الذين يسارعون في الخيرات في الدنيا، فتركوا منى الأنفس، واتقوا المهالك والزلات، فهم المقربون، وأضاف التقريب إلى الغير؛ لأنهم بغيرهم ما وفقوا لاكتساب الخيرات، وعصموا عن ارتكاب المهالك والزلات، لا بأنفسهم؛ فنالوا فضل