أحدهما: بالاعتقاد، وبتحقيقه بالفعل والمعاملة، فهذا قد وفَّى بما طلب منه قولا وفعلا؛ فيكون هذا ممن يقطع فيه القول باستيجاب الوعد المذكور للأبرار.
والثاني: أن يقوم بوفاء ما طلب منه اعتقادا، ولم يف ما اعتقده بفعله، فالحكم في مثله الوقف، ولا يقطع فيه القول باستيجاب الموعود، بل لله - تعالى - أن يجازيه بما ضيع من حفظ حدوده بقدر ما وجد من التضييع ثم يلحقه بأهل كرامته، وله أن يعفو عه بفضله وسعة رحمته.
والفجور: هو الميل، والميل يكون بوجهين:
أحدهما: بترك الاعتقاد والفعل جميعا.
والثاني: ميل في المعاملة، وهو أن يخالف فعله عقده.
فالذي وجد منه الميل على الوجهين جميعا، يحل به ما أوعد لا محالة، وأما الذي خالف فعله عقده فإنه يوقف فيه، ولا يشهد أنه من جملة من يلحقهم الوعيد لا محالة.
قد ذكرنا أن البر إذا ذكر على الانفراد أريد به ما يراد بالتقوى والبر جميعا، وكذلك التقوى إذا أفرد اقتضى معنى البر، وإذا قرنا جميعا أريد بالتقوى جهة، وبالبر جهة، وذلك أن التقوى: هي أن يتقي المهالك، وذلك يكون بالإجابة إلى ما دعي إليه قولا وفعلا، والانتهاء عما نهي عنه قولا وفعلا، وهذا هو معنى البر أيضا، فإذا ذُكرا معًا أريد بالتقوى الاجتناب عن المحارم، وأريد بالبر إتيان المحاسن، وكذلك الإيمان، إذا ذكر بالانفراد أريد به ما يقتضي الإسلام من المعنى والإيمان جميعا، وكذلك الإسلام يقتضي معنى الإيمان إذا ذكر بالانفراد؛ لأن الإسلام هو أن يرى الأشياء كلها سالمة لله تعالى، لا يجعل لأحد فيها شركا، والإيمان أن يصدق اللَّه - تعالى - بأنه رب كل شيء، وإذا صدقت أنه رب كل شيء فقد جعلت أما يقتضيه ظاهره من جعل، الأشياء كلها سالمة له؛ فهذا معنى قوله: إنه يراد بالإيمان إذا ذكر بالانفراد ما يراد بالإسلام، فإذا ذكرا معا أريد بالإسلام ما يقتضيه ظاهره من جعل الأشياء كلها سالمة له، وأريد بالإيمان ما يقتضيه ظاهره؛ كقوله: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. . .) الآية.