يوجب الجهل لا أن علم.
والجواب عن الفصل الثالث: ما ذكرنا أنه يعتقد المذهب للأبد، فكذلك الجزاء يتأبد، ولا ينقطع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17) ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) قَالَ بَعْضُهُمْ: إنك لم تكن تدري، فدراك اللَّه تعالى.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هذا على التعظيم لذلك اليوم، والتهويل عنه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ... (19) وذلك اليوم يوم تُجرى فيه الشفاعات، فيشفع الأنبياء لكثير من الخلق فَيُشْفَع لهم، وإذا كان كذلك فقد ملكت نفس لنفس شيئا، ولكن تأويله يخرج على أوجه ثلاثة:
أحدها: أن الكفرة كانوا يتوادون فيما بينهم؛ ليتناصر بعضهم بعضا في النوائب، فقال: (لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا)؛ قال اللَّه - تعالى -: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ).
أو لا تملك نفس لنفس شيئا إلا بعد أن يؤذن لها؛ كما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)، وقد يُجرى التشفع في الدنيا لا بالاستئذان من أحد.
أو يكون معناه: أن كل نفس سيتبين لها في ذلك اليوم أنها لم تكن تملك شيئا إلا بالتمليك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، أي: لا ينازع فيه، وهو في كل وقت لله - تعالى - لكن الظلمة ينازعونه في هذه الدنيا.
أو (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، أي: يتبين لكل أحد في ذلك اليوم بأن الأمر لله - عَزَّ وَجَلَّ - في ذلك اليوم وقبل ذلك اليوم، واللَّه المستعان، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.
* * *