وتنزل الملائكة وأنواع الخير كلها، والمراد من ذلك الأماكن كلها.
وغيره من أهل التفسير صرف الرؤية إلى جبريل، عليه السلام.
وذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سأل جبريل - عليه السلام - أن يراه على صورته، فقال له جبريل - عليه السلام -: " إن الأرض لا تسعني، ولكن إذا صليت الفجر، فانظر إلى أفق السماء؛ فهنالك تراني "، ففعل فرآه على صورته، ثم دنا منه، فكان قاب قوسين أو أدنى، فذكر الأفق؛ لأن الشيء من البعد لا يتهيأ أن يرى من أقطار الأرض؛ لذلك خصت الأفق؛ إذ كذلك تقع رؤية ما بعد، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وقرئ (بظنين).
قال أبو عبيد: والظنين أولى؛ لأن الظنين هو المتهم، والضنين: البخيل، ولم ينسب أحد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى البخل حتى ينفي عنه البخل بهذه الآية، وقد كانوا يتهمونه على الغيب، وهو القرآن، فكانوا يقولون: علمه بشر، وليس من عند اللَّه، ويقولون - أيضا -: إن هذا إلا إفك افتراه؛ فبرأه اللَّه تعالى مما قالوا بقوله: (وما هو على الغيب بظنين) ومن قرأه بالضاد فهو يحتمل أوجها:
أحدها: ما ذكره أبو بكر الأصم، وهو أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يكن يضن بشيء علمه اللَّه - تعالى - عن أحد من أصحابه كما يفعله غيره من العلماء؛ لأن العلماء لا يريدون أن يعلموا من اختلف إليهم كل ما عندهم من العلوم حتى يُستغنى عنهم، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يود أن يعلم جميع ما علم من العلوم أصحابه؛ فكان يقوم على تعليم كل منهم بقدر طاقته، ولم يكن يمتنع عن التعليم بُخلا منه وضنًّا.
وجائز أن يكون برأه اللَّه - تعالى - من هذا؛ لما علم أنه يكون في أمة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من يزعم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خص بعض أصحابه بتعليم أشياء لم يطلع عليها غيرهم، وتخصيص بعض دون بعض بتعليم ما عنده بخل في الشاهد؛ فكان في قوله: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) تكذيب أُولَئِكَ الذين يدعون هذا، وهذا كما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته "، فكأنه قال هذا لما علم أنه يكون في أمته من يتقدم