تخنس في مجراها، وترجع.
وفي حديث كعب: " فتخنس بهم النار كما تخنس النجوم الخنس "، أي: تحيد بهم وتتأخر، واللَّه أعلم.
وعن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: هي الوحوش اللاتي تخنس من الإنس، وتكنس في مكانسهن، وأيما كان فهي كلها دالة على الوجوه التي ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) قيل: إذا أقبل.
وقيل: إذا أقبل وإذا أدبر.
وقوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إذا انفجر، وإذا ارتفع، وفي إقبال الليل وإقبال النهار تثبيت القدرة والسلطان؛ وذلك أن ظلمة الليل إذا غشت سترت عن وجوه الأشياء وكشف النهار عنها الستر، ولو أراد أحد أن يغطي الأشياء كلها بالحيل والأسباب لم يتمكن منها، ولو أراد نزع الغطاء عنها، لم يملك، فذكرهم هذا؛ ليعلموا أن من بلغت قدرته هذا لا يعجزه أمر، ولا يتعذر عليه البعث؛ بل هو قادر على إحيائهم وبعثهم.
وقوله - تعالى -: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) فموضع القسم على هذا، وعلى قوله - تعالى -: (وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ).
ثم تأويل قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)، أي: هذا الذي أتاكم به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - تلقاه عن رسول كريم على ربه، وهو جبريل - عليه السلام - ثم نسب هاهنا إلى الرسول؛ لما سمع منه، ولم يكن من قبله، وقال في آية أخرى: (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)، فسماه: كلام اللَّه؛ على الموافقة، أو لما أن ابتداءه يرجع إليه، لا أن يكون المسموع كلامه، كما يقال: هذا قول أبي حنيفة رحمه اللَّه، وهذا قول فلان الشاعر، وليس الذي سمعته قول من نسب إليه، ولكن نسب إليه؛ لأن ابتداءه يرجع إليه؛ فكذلك سمي: كلام اللَّه؛ لأنه يدل على كلامه، ولما يرجع إليه ابتداؤه، لا أن يكون هو نفس كلامه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) وفي وصفه بالقوة فائدتان:
إحداهما: ما ذكرنا أن فيه بيان الأمن عن تغيير يقع فيه من الأعداء من الجن والشياطين