وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ففي ذكر هذا ذكر النعم، وهو أن اللَّه - تعالى - جعل لما يخبث ويتغير كنًّا يكنُّ فيه؛ فيستره عن الخلق؛ لئلا يعافوه ويستقذروه، لم يجعل ذلك لغيرهم، وجعل لأنفسهم إذا هم تغيرت أجسادهم بالموت، وصارت بحيث تستخبث وتستقذر - كنا تستتر فيها؛ لتغيب عن الخلق؛ فلا يتأذوا بها، فذكرهم هذا؛ ليشكروه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) معناه - واللَّه أعلم -: كذلك إذا شاء أنشره؛ لأن هذا كله إخبار في موضع الاحتجاج، فكأنه قال: إن الذي خلقه من نطفة وقدره، ثم أماته فأقبره، فهو كذلك ينشره إذا شاء، وكذلك هذا في قوله: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ)، أي: إن الذي أحياكم، ثم أماتكم، فكذلك هو الذي يحييكم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23):
منهم من ذكر أن هذا الخطاب في كل أحد، لا ترى إنسانا قضى جميع ما عليه من الأمر على حد ما أمر حتى لا يغفل عنه ولا يقصر فيه؛ بل من اللَّه - تعالى - على كل أحد في كل طرفة عين نعمة، لا يتهيأ لأحد أن يقوم بكنه شكرها حتى لا يقع منه في ذلك جفاء ولا تقصير.
ومنهم من يقول: هذا في الكفار خاصة، لا يقضون ما أمروا به من التوحيد.
فإن كان على هذا فهو منصرف إلى ابتداء الأمر.
وإن كان على الوجه الأول، فهو منصرف إلى كنه الأمر، ويستقيم توجيهه إلى الكافر، على ما ذكروا؛ لأن إيمان المؤمن له حكم التجدد في كل وقت. إذ هو في كل وقت مأمور باجتناب الكفر، فهو يجتنبه، فذلك يكون، وإذا كان كذلك، ثبت أنه في كل وقت مؤمن؛ لما أمر به هو مجتنب عما نهي عنه، فهو بإيمانه راجع عن الزلات في كل حال، معتقد للوفاء بما أمر به؛ لذلك كان صرفه إلى الكافر أوجَهُ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) كيف قدر له حيث استعمل فيه