الوجه الذي ذكرنا، ودلالة البعث وآياته أن خلق البشر ليس على العبث، فهي تذكرة لمن يذكر بها.
أو جائز أن يكون منصرفا إلى الآيات التي قبل هذا في هذه السورة، وهو أن فيما تقدم في هذه السورة من الآيات تثبيت رسالته بما تقدم ذكرنا له.
وجائز أن يقال: إن هذه تذكرة؛ أي: هذه المعاتبة تذكرة للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولجميع المؤمنين؛ ليعرفوا من يستوجب التعظيم والتبجيل، ومن يستوجب إهانته والاستخفاف.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) جائز أن يكون معناه: من شاء اللَّه أن يذكره، أو ما شاء ذكره؛ أي: قد مكن كل من التذكير، وأنه ليس أحد بممنوع ولا مجبور على الفعل، فمن ترك التذكر، فهو الذي ضيع ذلك؛ حيث آثر واختار ضده، واشتغل بغيره، وأعرض عن ذكره.
وجائز أن يكون على تحقيق الفعل؛ أي: من تذكر به فهو ذكر له؛ فكنى بالمشيئة عن الفعل؛ لما ذكرنا أنها تقترن بالفعل ولا تزايله؛ فيكون في ذكرها ذكر الفعل.
أو يكون على إرادة الفعل قبل وجوده.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) قيل: هي الصحف المتقدمة؛ كقوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى).
وقوله: (فِي صُحُفٍ) أي: في أيدي الملائكة.
وقوله: (مُكَرَّمَةٍ)، أي: مكرمة بما يكرمها أهل الكرامة، وهم السفرة البررة.
أو مكرمة على اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) أي: مرفوعة القدر، مطهرة من التناقض والاختلاف.
أو مطهرة من أن ينالها أيدي العصاة.
أو مطهرة من الأقذار والأدناس.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) السفرة: الكتبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) أي: كرام على اللَّه تعالى، بررة في أعمالهم؛ كما وصفهم اللَّه - تعالى - بقوله: (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).