(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)، فثبت أنه ليس فيه نهي.
وفيه أن الكافر وإن كان مبجلا معظما في قومه، فليس على المؤمنين أن يعظموه ويبجلوه، بل يسترذل ويستخف به، وأن المسلم ينبغي أن يعظم ويكرم، وإن كان حقيرا في أعين الخلق.
وفيه آية رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ودلالة نبوته، وأنه لم يختلق هذا الكتاب من عند نفسه؛ لأن من يتعاطى فعلا حقه الستر، فهو يستره على نفسه، ولا يهتك عليها الستر؛ لئلا يذم عليه، فلو لم يكن مأمورًا بتبليغ الرسالة لكان يجتهد في الستر على نفسه، ولا يبديه للخلائق، ولكنه كان رسولا لم يجد من تبليغه إلى الخلق بدًّا، فبلغه كما أمر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) " لعل " من اللَّه - تعالى - وأجب.
وقوله: (يَزَّكَّى)، أي: يتزكى بعمله ونيته وقوله.
وفي هذه الآية قضاء بإبطال قول من زعم أن جميع ما في القرآن: (وَمَا يُدْرِيكَ) فهو مما لم يدره؛ يروى ذلك عن سفيان بن عيينة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره؛ لأنه قد أدراه هاهنا بقوله: (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) و " لعل " من اللَّه تعالى واجب، وإذا جعلته واجبا فقد زكاه، وإذا زكاه فقد علمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون يتذكر بتذكيرك إياه؛ فينتفع بتذكيرك.
والثاني: أن يتذكر فيما ذكرته من العواقب وما يحق عليه في حاله؛ فينتفع به؛ فتكون المنفعة في التأويل الأول بالتذكر بنفس تذكير الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وفي التأويل الثاني بتذكره فيما ذكره النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) أي: بما اختار هو عما جئت به من الدِّين.
أو استغنى بالذي زين له الشيطان عما جئت به.
أو يكون على الغناء المعروف؛ لأن الذين أقبل عليهم بوجهه كانوا أهل ثروة وغناء، فأقبل عليهم؛ رجاء أن يسلموا فيتبعهم أتباعهم في الإسلام؛ إذ كانوا من رؤسائهم وأجلتهم.