فمنهم من يقهرها فلا يعطيها شهواتها، فهو أبدا في جهد وعناء.
ومنهم من يذكرها العواقب ويريها ما أعد لأهل الطاعة، ويعلمها ما يحل بالظلمة؛ فيصير ذلك لها كالعيان؛ فتختار لَذَّات الآخرة على لذات الدنيا؛ إذ ذلك أدوم وألذ، ويسهل عليه العمل للآخرة، والهوى هو ميل النفس إلى شهواتها ولذتها؛ ففيه أن الأنفس جبلت على حب الشهوات والميل إليها، ولا تنتهي عن ذلك إلا بما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42):
هي القيامة، سميت: ساعة؛ لما يخف أمرها على من إليه تدبيرها.
أو سميت: ساعة؛ لسرعة كونها إذا أتى وقتها.
أو سميت: لقربها إلى الحالة التي كانوا عليها؛ كقوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ).
ثم إن كان هذا السؤال من المؤمنين فهو سؤال استهداء، كأنه لما قيل لهم: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ)، و (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ)، قالوا: متى تكون الساعة؟ فنزلت هذه الآية.
وجائز أن يكون السؤال من الكفرة؛ لما ذكرنا أنه ليس في تبيين وقتها كثير منفعة حتى تقع الحاجة للمسلمين إلى تبيينه بالسؤال؛ فيسألونه سؤال استهزاء واستخفاف برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ويسألونه استعجالها بقوله: (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا)؛ فكانوا يسألونه عن شيء يعلمون أنهم متعنتون في السؤال؛ قصدا منهم للتمويه والتلبيس على الضعفة والأتباع؛ لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك الوقت ليس هو وقت مجيء الساعة، فإذا طلبوا الاستعجال علموا أنه لا يتهيأ له أن يريهم في ذلك الوقت؛ إذ ذلك يخرج مخرج خلاف الوعيد؛ فيحتجون على الضعفة أنه لو كان صادقا في مقالته: إن الساعة تكون، لكانوا متى طلبوا مجيئها، يأتيهم بها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43) أي: لست أنت من علمها في شيء.
هذا إن ثبت أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يطلع عليها أو لست أنت من أخبارها في شيء؛ إذا لم يثبت، ولم يعلم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لم يطلع عليها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44) أي: منتهى علمها؛ فيكون هذا نهيًا للسائلين