وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَسْفَرَ (34)، أي: أضاء، وانتشر.
وقوله: (إِذْ أَدْبَرَ)، أي: ذهب.
وحكي عن الكسائي أنه قال: إن " دبر " لغة قرشية، يقولون: ذهب كالأمس الدابر، أي: الذاهب، فيقولون: دبر في الأيام والشهور والسنين، ولا يقولون في غير ذلك: لا يقولون: دبر الرجل، ودبر الأمر؛ ولكن يقال: أدبر.
وفي حرف ابن مسعود (إذا دبر)، وفي الحروف (إذا أدبر)، والمعروف (إِذْ أَدْبَرَ) كما قلنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) قيل: يعني: السقر.
ثم عذاب أهل النار ألوان، وفي جهنم دركات، والسقر: إحدى دركاتها؛ إذ هي لون من ألوان العذاب؛ فصارت هي من إحدى الكبر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36).
فمنهم من صرف النذارة إلى السقر، ومنهم من صرفها إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وهو كقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا)، فمنهم من قرأ (لتنذر) بالتاء، وصرف النذارة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. ومنهم من قرأ بالياء، وصرفها إلى القرآن.
ثم الأصل أن ما خرج مخرج الأفعال مضافًا إلى الأشياء اللاتي ليست لهن أفعال، فهو يقتضي أمرين:
أحدهما: ذكر الأحوال التي تقع لديها مما لو لم يكن ذلك سببًا لم تحدث تلك الأحوال من غير أن يكون علة لها؛ فنسبت إليها إذا صارت سببًا؛ لحدوث تلك الأحوال، وهو كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)، وحياة الدنيا لا تغر أحدا، ولكنهم اغتروا بزينتها، فنسب إليها الغرور لما كانت سببا لتغريرهم.
والثاني: أنها أنشئت على هيئة لو كانت من أهل التغرير، لكانت تغر، فنسب إليها الغرور لذلك.
وقال في قصة إبراهيم - عليه السلام - (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ)، والأصنام ليست ممن ينسب إليها الإضلال؛ لأنه لا فعل لها، ولكن عبادها لما ضلوا بها، نسب الإضلال إليها، وهي - أيضا - على صورة لو كانت لها