فيه إلا الإعادة إلى الحالة التي كان عليها قبل الموت.
وما ذكرنا من الاعتبار هو الذي حمل الثنوية على القول بإلهين اثنين: أنهم رأوا في الشاهد خيرا وشرا، وصلاحا وفسادا، وظلمة ونورا، ولا يجوز أن يكون جوهر الظلمة والنور واحدا، ولا يجوز - أيضا - أن يكون فعل الحكيم يخرج على الاختلاف والتناقض، فقد بنوا بهذا أن خالق الشر والخير مختلف.
وبهذا أنكرت المعتزلة خلق أفعال العباد؛ لأن الفعل يكون مرة خيرا ومرة شرا، ومرة صلاحا ومرة فسادا، ولا يجوز أن يكون الشر مضافا إلى اللَّه تعالى، ولا أن يكون الفساد منسوبا إليه؛ فأنكروا أن يكون لله - تعالى - في أفعال العباد صنع.
وأهل التوحيد سلموا الأمر إلى اللَّه تعالى، وفوضوا العلم إليه في كل ما جاء عنه - جل وعز - وإن لم يتداركوا ما فيه من الحكمة بعقولهم؛ لوجودهم أشياء هي خارجة أن يتداركوها بعقولهم، ويقفوا عليها بعلومهم، كما ذكرنا من أمر الماء: أنه قد جعل فيه معنى، ذلك المعنى يحيي الأشياء، ولو أرادوا أن يعرفوا ذلك المعنى بالعقول والآراء، لم يمكنهم ذلك؛ وكذلك في هذا الطعام، وفي الأشياء المشروبة موجود، ثم لم يجب بهذا إنكار المياه وسائر الأطعمة والأشربة؛ فكذلك لا يجب إنكار العدد الذين سماهم الله تعالى من الملائكة، ولا إنكار البعث، ولا إنكار كل شيء لم يقفوا على حكمته بعقولهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ... (31):
فلقائل أن يقول في هذا: إنه لم يجعل أصحاب النار إلا ملائكة، لم يوجد فيها إنسي ولا جني، فكيف قال: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، وهو لم يجعل أصحاب النار إلا ملائكة؟
والجواب: أن تأويله: أي: ما جعلنا على أصحاب النار إلا ملائكة يعذبون أهلها بها، لا أن يكون الملائكة تمسهم النار، ويتأذون بها.
وفي هذا دلالة على أن من قرأ مكان قوله تعالى: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ): " أصحاب النار " في صلاته لا تفسد؛ لأنه ليس في نسبة أصحاب الجنة إلى أصحاب النار إيجاب عذاب عليهم؛ كما لم يكن في قوله: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً) إيجاب عذاب على الملائكة واستحقاقهم، واللَّه أعلم.
وإِنَّمَا خصهم بذلك - واللَّه أعلم - لأنهم خلقوا يسخطون ويغضبون لله تعالى، ولا يعصون اللَّه ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، لم يميلوا إلى أحد، ولم يرحموا بما رأوا