أو يكون جوابا لقوله: (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) إذا نقر في الناقور.
أو كان السؤال واقعا عن أمر، لم يشر إلى ذلك الأمر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ذلك اليوم يوم رحمة للمؤمنين؛ إذ في ذلك اليوم يكرمون، وينالون عظيم الدرجات من ربهم، ولكن اللَّه - عز وجل - ذكر ذلك اليوم في غير آي من كتابه، والأحوال التي تكون فيه، وإن كانت تلك الأحوال تنزل على غير المؤمنين، فمرة سماه: واقعة، ومرة: قارعة، ومرة: حاقة، وإنما يقع العذاب على الكفرة، ويحق عليهم؛ فلذلك سماه: عسيرا، وإن كان هو عسيرا على فريق، يسيرا على غيرهم.
وجائز أن يكون عسيرا على الخلائق أجمع، بعض هول ذلك اليوم يشمل الفرق كلها، كما قال: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى)، ثم إن المؤمنين تفرج عنهم الأهوال بما يأتيهم من البشارات والكرامات عن اللَّه تعالى، ويبقى عسره على أصحاب النار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11).
ذكر أن هذه الآية نزلت في شأن الوليد بن المغيرة، والأصل أن الأنباء التي ذكرت عن الأنبياء المتقدمة في المخاطبات التي جرت بينهم وبين الفراعنة فيها إبانة أنها جرت بينهم وبين الآحاد منهم، وذلك أن فرعون كل نبي كان واحدا، وكان من سواه يصدر عن رأيه، وينتهي إلى تدبيره؛ فكان يستغني عن مخاطبة من سواه، وقد كثرت فراعنة نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فكان كل واحد منهم يدعي الرياسة لنفسه، ويمتنع عن متابعة غيره، والصدور عن رأيه والانقياد له، منهم أبو جهل، ومنهم الوليد بن المغيرة، ومنهم أبو لهب، وغيرهم؛ فكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يحتاج إلى أن يخاطب كلا في نفسه، ومن احتاج إلى مخاطبة أقوام، وإجابة كل واحد بحياله، كان الأمر عليه أصعب من الذي احتاج إلى مخاطبة واحد؛ ففي هذا أن المحنة على رسولنا - عليه الصلاة والسلام - كانت أكبر مما امتحن بها من تقدمه من الرسل، عليهم السلام.
ثم قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) فيه أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يمنعه عن شيء حتى يقول له: (ذَرْنِي)، ولكن هذا الكلام مما يتكلم به على الابتداء من جهة إظهار القوة؛ يقول الرجل لآخر: " خل بيني وبين فلان "، و " دعني وإياه " من غير أن يكون سبق منه المنع؛