مستغفر فيغفر له؟ "، فجائز أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في أول ما أوحي إليه كان بجبل فاران، وهو جبل من جبال مكة، أو كان ذلك الجبل منسوبا إلى ذلك المكان.

ثم في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) تثبيت نبوة نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وآية رسالته، وذلك أن تعريف المرء بما عليه من الثياب ونسبته إليه، لا يخرجه مخرج التعظيم والتبجيل، وإنما التبجيل فيما يدعى باسمه أو بكنيته، فلو كان الأمر على ما زعمت الكفرة: أن هذا القرآن ليس من عند اللَّه، وأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو الذي اخترعه من ذات نفسه، لكان لا يعرف نفسه بثيابه، بل يعرفها بما فيه تبجيلها وتعظيمها، فإذ لم يفعل ثبت أنه كان رسولا حقا، بلغ الرسالة على ما أوحي إليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأدى كما أمر، على ما ذكرنا في الآيات التي خرجت مخرج المعاتبة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن فيها تثبيت رسالته؛ نحو قوله: (عَبَسَ وَتَوَلَّى)، وغير ذلك من الآيات.

وجائز أن تكون نسبته إلى ثيابه؛ ليعلم الخلق أن لا بأس للمرء أن يعرف أخاه بثيابه.

وجائز أن تكون نسبته إلى الثوب الذي يدثر به يخرج مخرج التعظيم لذلك الثوب؛ لموافقته حال نزول الوحي، وهذا كما ذكرنا: أن إضافة الأشياء إلى اللَّه تعالى نحو الجزئيات تخرج مخرج تعظيم تلك الأشياء، كقوله: ناقة اللَّه، ومسجد اللَّه، ورب العرش، على تعظيم العرش، وتعظيم أمر الناقة، وتشريف المسجد. وإضافة الأشياء إليه نحو الكليات، يخرج مخرج تعظيم اللَّه تعالى؛ كقوله: رب العالمين، رب السماوات والأرض وما بينهما.

ثم أذن للمرء أن يسبح في ركوعه، فيقول: " سبحان ربي العظيم "، فيخص نفسه بقوله: " ربي "، والحق في مثله أن يقول " سبحان ربنا "؛ لئلا يخرج ذلك مخرج تعظيم النفس؛ كقوله: " رب العالمين "، و " رب السماوت والأرض وما بينهما "؛ إذ الإضافة من الجانبين على السواء فيما ذكرنا، لكن ذلك الذكر إذا وافق الحالة التي فيها تعظيم الرب ووصفه بالعلو؛ وهي الركوع والسجود، أذن له بأن يأتي بهذا الذكر، وإن خرج ذلك مخرج تعظيم النفس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015