الانتقاص عاد الأمر إلى ما كان مأمورا به في الابتداء.
ثم القليل ليس باسم لأعين الأشياء؛ ولكنه من الأسماء المضافة، فإذا قيل اقتضى ذكره تثبيت ما هو أكثر منه حتى يصير هذا قليلا إذا قوبل بما هو أكثر منه؛ فلذلك قالوا بأن قوله (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)، يقتضي أمر القيام أكثر الليل؛ ولهذا قال أصحابنا فيمن أقر أن لفلان عليه ألف درهم إلا قليلا: إنه يلزمه أكثر من نصف الألف؛ لأنه استثنى القليل؛ فلا بد من أن يكون المستثنى منه أكثر من المستثنى حتى يكون المستثنى قليلا، كما استثنى، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4):
الترتيل، هو التبيين في اللغة، أي: بينه تبيينا.
وقيل: اقرأه حرفا حرفا على التقطيع؛ لما ذكر أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يقطع القراءة، ولكن جائز أن يكون على قراءة التقطيع؛ لأن التبيين كان في تقطيعه؛ وإنما أمر بالتبيين لأن القرآن لم ينزل لمجرد قراءته فقط، لكنه لمعان ثلاثة:
أحدها: أن يقرأ للحفظ والبقاء إلى يوم القيامة؛ لئلا يذهب، ولا ينسى.
والثاني: أن يقرأ؛ لتذكر ما فيه، وفهم ما أودع من الأحكام، وما لله عليهم من الحقوق، وما لبعضهم على بعض.
والثالث: يقرأ؛ ليعمل بما فيه، ويتعظ بمواعظه، ويجعلونه إماما يتبعون أمره، وينتهون عما نهى عنه؛ فنفذ قراءته في الصلاة يلزمنا هذا كله، ولا ندرك ذلك إلا بالتأمل، وذلك عند قراءته على الترتيل، وهذا الذي ذكرناه يوجب اختيار من يرى الوقوف في القرآن؛ لأن ذلك يدل على المعنى وأقرب إلى الإفهام.
وفيه دلالة أن المستحب فيه ترك الإدغام، وترك الهمز الفاحش؛ لأن ذلك أبلغ في