وكذلك قال في قوله: (إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ): إن إحاطته هي أن يعصمه من الناس من أن يصل إليه منع الناس إياه عن تبليغ الرسالة.
ويحتمل أن يكون الملائكة جعلوا رصدا عن الجن عن استراق ما يوحى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعن تلقيه؛ حتى يكون الرسول هو الذي يبلغ إلى الخلق، ويشتهر ذلك فيما بين الخلق أن الرسول هو الذي قام بتبليغه إلى الخلق؛ لأنهم إذا لم يجعلوا رصدًا؛ أمكن الجن أن يسترقوه ويبلغوه؛ فيأتوا بلدة لم ينتشر عندهم علم ذلك من جهة الرسول؛ فيعرفوا ذلك من عند الجن قبل أن يبلغهم الرسول، فإذا بلغ الرسول من بعد، التبس الأمر على الذين ظهر فيهم العلم من جهة الجن؛ فجعل عليهم رصدا؛ حتى ينتشر علم ذلك من جهة الرسول؛ فترتفع الشبه.
أو يكون الرصد لمنع الجن الذين سمعوا من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن يبلغوا قومهم من الجن؛ حتى ينتهي الخبر إليهم من جهة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا): إن الملائكة كانوا يرصدون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فإذا جاءه الملك، قالوا: هذا وحي من اللَّه تعالى، وإذا جاءه الشيطان أخبروه به.
ولكن هذا بعيد؛ لا يحتمل أن يخفى عليه وحي الشيطان من وحي جبريل عليه السلام.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا): من بين يدي من يبلغ الرسالة إلى الرسول، وهو الملك الذي ينزل بالوحي، جعل بين يديه ومن خلفه ملائكة يرصدونه؛ كي لا يستلب الشيطان عنه، ويحدِثُ فيه حدثا من التغيير والتبديل؛ ليعلم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه إنما يبلغ إليه رسالات ربه.
وهذا بعيد أيضا؛ لأن للمبلغ من القوة ما يدفع أذى الجن عن نفسه، وهو أمين لا يخاف منه التغيير والتبديل حتى يجعل عليه الرصد؛ فيؤمن من تبديله؛ ألا ترى إلى قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)، فوصفه الله تعالى بالقوة والأمانة جميعا.
لكنه جائز أن يكون المبلغ ممتحنا بالتبليغ، والذين معه من الرصد امتحنوا بأمور أخر،