(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ).

ولأنه لا يجوز أن تقع له الحاجة إلى الإجارة من عذاب اللَّه تعالى، ولم يوجد منه تقصير ولا تضييع يستوجب به العقاب؛ فلا بد من أن يُمْكِن فيه ما ذكرنا من التقصير في التبليغ والعدول عما كلف؛ حتى يستقيم ذكر الإجارة فيه.

وذكر أبو معاذ -صاحب التفسير-: أن الاستثناء راجع إلى قوله: (قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا)، ليس إلى قوله: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ)، واستدل على ذلك بقراءة عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان يقرأ: (قل إني لا أملك لكم غيًّا ولا رشدا إلا بلاغًا من اللَّه)، وليس فيما ذكرنا قطع الاستثناء على قوله: قل إني لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدا إلا بلاغا من اللَّه؛ للوجه الذي ذكرنا.

ولأن أكثر أهل التأويل أجمعوا على صرف الاستثناء إلى قوله: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ)؛ فلا يجوز أن يحمل قولهم على الخطأ بما ذكره أبو معاذ، وما ذهبوا إليه وجه الصحة والسداد.

وجائز أن يكون البلاغ والرسالة واحدًا؛ فيكون قوله الذي يبلغ بلاغا من الله ورسالاته، ويكون ذلك على التكرار؛ وهو كقول (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، قيل: إنهما واحد.

وجائز أن تكون الرسالة نفس ما أنزل، وهو الكتاب، والبلاغ ما أودع فيه من الحكمة والمعاني؛ وكذلك قيل في قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ): إن الكتاب هو المنزل نفسه، والحكمة: ما تضمن فيه من المعاني.

وجائز أن يكون البلاغ من اللَّه تعالى منصرفا إلى حكمه، ورسالاته إلى غيره.

أو تكون رسالاته حكمه، والبلاغ خبره؛ وهو كقوله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا): صدقا أخباره، وعدلا أحكامه، أو إبلاغا من اللَّه حق اللَّه عليهم ورسالاته بما به مصالحهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) قالوا: لا ملجأ وممالًا، أي: موضعا يمال إليه، والالتحاد الإمالة، سمي اللحد: لحدا من هذا؛ لأنه يمال عن سننه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015