حكاية عن الجن؛ نحو قوله: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا)، وما كان فيه من الحكاية لا عن الجن، فحقه أن يقرأ بالنصب؛ فاختاروا النصب في قوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ)؛ لما ليس هو بحكاية عن قول الجن، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8).
جائز أن يكون لمسهم السماء: ليجدوا أبوابها؛ فيدخلوا فيها للاستماع؛ إذ أخبارها ليست في جملة آفاق السماء، ولا أبوابها محيطة بجملة السماء، فكانوا يلمسونها؛ ليظفروا بأبوابها فيدخلوا فيها.
وجائز أن يكون أريد من لمس السماء: لمس أبوابها؛ فكانوا يلمسون أبوابها؛ ليفتحوها؛ فيدخلوا فيها؛ فيستمعوا إلى الأخبار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) جائز أن يكون بعض الأبواب ملئت من الحرس، وبعضها من الشهب؛ فإن أتوا إلى الأبواب التي ملئت من الحرس دفعتهم الحرس، وطردتهم، وإن أتوا إلى الأبواب التي فيها الشهب، تبعتهم الشهب؛ كما قال - عَزَّ وَجَلََّ: (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. دُحُورًا).
وجائز أن تكون الأبواب كلها مملوءة من الحرس والشهب جميعا؛ لأن الحرس لم يمتحنوا بالحراسة خاصة؛ بل امتحنوا بها وبغيرها من الأعمال؛ فجائز أن يكون اشتغالهم بتلك الأعمال يمنعهم عن الحرس؛ فإذا رأوا استراق السمع في وقت شغلهم، تبعهم الشهاب الثاقب، وقذفهم عن مرادهم.
وجائز أن يصعد الجن إلى المكان الذي لا يراهم الملائكة، ويسمع الجن كلامهم؛ لأن المرء قد يتكلم بكلام فينتهي صوته إلى حيث لا يراه البصر، فتكون الشهب تحت الحرس؛ فيقذفون عنها بالشهب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9).
قيل: الشهاب من الكواكب، والرصد من الملائكة.
الأصل في ذلك أن الجن قد حبسوا وقت مبعث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن خبر السماء،