يحتاج إلى صاحبة، أو إلى اتخاذ ولد؛ لأن هذه الأشياء كلها أمارات الحاجة، ومن ظفر بكل ما يريده لم تقع له حاجة.
وجائز أن يكون الجد صلة، ومعناه: تعالى ربنا.
وجائز أن يكون الجد عبارة عن العظمة والرفعة؛ يقال: " فلان جد في قومه ": إذا عظم وشرف فيهم.
وقال الحسن: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا)، أي: غِنَى ربنا؛ ألا ترى كيف ذكر اللَّه تعالى عندما نزه نفسه عن اتخاذ الأولاد بقوله: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ)، وقد ذكر اتخاذ الولد هاهنا على أثر قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (جَدُّ رَبِّنَا).
ومنهم من يقول تأويله: ملك ربنا.
وجائز أن يكون أريد به: قوة ربنا، فتعالى ربنا عن كل ما لو نسب إليه كان فيه نسبته إلى فعل الرذالة والتسفل.
ثم الحق ألا يتكلف تفسير قوله: (جَدُّ رَبِّنَا) هاهنا؛ لأنه حكاية عن مقالة الجن، فمراد هذه الكلمة إنما يعرف بإخبار الجن.
ثم الشرك فيما جرى به الكتاب على أوجه أربعة:
مرة على العبادة بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
وشرك في الخلق بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ).
وشرك في الحكم بقوله تعالى: (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا).
وشرك في الملك بقوله: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ)، فثبت أن الشرك يقع مرة في العبادة، ومرة في الخلق، ومرة في الملك، ومرة في الحكم؛ فهو بقولهم: (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) تبرءوا عن الشرك من هذه الأوجه الأربعة.
ثم إذا كان الجد عبارة عن الذي يظفر بكل ما يريده، ففيه ما ينقض على المعتزلة قولهم؛ لأنهم يزعمون أن اللَّه تعالى أراد من كل كافر الإيمان، فإذا لم يؤمنوا، فهو غير ظافر بما يريد على قولهم.
ويدخل عليهم النقض من وجه آخر، وهو أنا قد بينا أن الشرك قد يقع مرة في الخلق، وهم ينفون خلق الأفعال عن اللَّه تعالى، وإذا نفوا ذلك، فقد جعلوا له في الخلق شركاء، وقد أخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه هو المتفرد بخلق الخلائق؛ فثبت أن الأفعال من حيث الخلق