نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - حتى رأى الجن على صورتهم.
وجائز أن يكون اللَّه تعالى صور الجن على صورة الإنس حتى رآهم، وشعر بمجيئهم، واللَّه أعلم.
ثم ما ذكرنا من السببين في أمر مجيء الجن إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في أول السورة من قول أهل التأويل لا نقطع القول بذلك، وإن كان في حد الإمكان والجواز؛ لأنهم تكلفوا استخراج ذلك بالتدبر والاجتهاد، وما كان سبيل معرفته الاجتهاد، لم يجز أن نقطع القول فيه بالشهادة.
وقد يجوز أن يكون الذي حملهم على المجيء غير ذينك الوجهين، وهو أن يكون النفر من منذري الجن؛ لأنه ذكر أن من الجن نذرًا، وأن الرسل من الإنس دون الجن، فتفرقوا في الأرض على رجاء أن يظفروا برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيتلقفوا منه ما يقومون به بالنذارة فيما بين قومهم إذ كانوا يصعدون إلى السماء فيستمعون الأخبار، وينذرون قومهم بها، ثم انقطع علم ذلك عنهم حيث لم يجدوا مسلكا إلى الصعود؛ لأنها قد ملئت حرسا، وعلموا أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - لا يبقيهم حيارى ويقطع عنهم وجه المعرفة، فتفرقوا في الأرض رجاء أن يظفروا بمن يزيل عنهم الشبه، ويوضح لهم الحجج والبراهين، فوصلوا إلى مقصودهم من جهة نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
ويجوز أن يكون عندهم أن لا أحد في الأرض من جني أو إنسي يكذب على اللَّه؛ كما حكى اللَّه عنهم بقوله: (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا)، فلما تحقق عندهم الكذب خافوا على أنفسهم أن يبتلوا به، وأن يشتبه عليهم الصراط السوي؛ فتفرقوا في الأرض على رجاء أن يظفروا بمن يدلهم على الطريقة المثلى، حتى وجدوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
ويجوز أن يكونوا لما صعدوا إلى السماء، فرأوها مملوءة من الحرس والشهب، أيقنوا أن ذلك لحادث خبر أو خافوا حلول نقمة بأهل الأرض؛ فتفرقوا في البلاد لما لعلهم يصلون إلى علم ذلك.
ثم الذي تحقق كون هذا الخبر وهو أن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في حق الكفرة - انقطاع الكهنة بعد ذلك، ولو كان الأمر على خلاف هذا، لكانوا لا ينقطعون؛ لأن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء فيأتون الكهنة بما يستمعون من الأخبار، ويلقونها