وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا خَسَارًا)، أي: بوارا وهلاكا لذلك المتبوع، فكانت تلك النعم التي ظنوا أنهم أكرموا بها بصنيعهم سببا لخسارهم.
ثم قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا) كقوله: (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا)، ثم قد بينا تأويل شكايته إلى اللَّه تعالى من قومه، فهذه الآية وتلك الآيات في معنى تأويل الشكاية إلى اللَّه تعالى - واحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22).
قَالَ بَعْضُهُمْ: إنهم كانوا يمكرون ما يمكرون بألسنتهم؛ حيث كانوا يدعونهم إلى الكفر والصد عن سبيل اللَّه، فكنى بالمكر عما قالوه بالسنتهم، فكان ذلك (مَكْرًا كُبَّارًا)، أي: قولا عظيما.
وجائز أن يكون على حقيقة المكر، وهو أن رؤساءهم مكروا بأتباعهم حيث قالوا: إن هَؤُلَاءِ لو كانوا أحق باللَّه تعالى منا، لكانوا هم الذين يوسع عليهم ويضيق علينا، فإذا وسع علينا وضيق عليهم، ثبت أنا نحن الأولياء والأصفياء دون غيرنا، وهذا منهم مكر عظيم؛ لأنه يأخذ قلوب أُولَئِكَ فيصدهم عن سبيل اللَّه تعالى.
وجائز أن يكون مكرهم ما ذكر أنهم كانوا يأتون بأولادهم الصغار إلى نوح عليه السلام، ويقولون لهم: إياكم واتباع هذا فإنه ضال مضل، فكان هذا مكرهم بصغارهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23).
هذه المقالة منهم كانت بعد أن انقادت لهم الأتباع، واتبعتهم إلى ما دعوهم إليه من عبادة الأصنام، فقالوا بعد ذلك: (لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) أي: لا تذرن عبادتها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا).
هي أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها.
ثم يحتمل أن يكون الذي بعثهم على عبادة الأصنام ما ذكره أهل التفسير: أن قوم نوح - عليه السلام - اتخذوا هذه الأصنام أول ما اتخذوها على صورة رجال عباد كانت هذه الأسماء أسماءهم، فسموا الأصنام بأسماء العباد؛ ليعتبروا بها، ويجتهدوا في العبادة إذا نظروا إليها، فلما مضى ذلك القرن الذين اتخذوها عبرة وخلفهم قرن بعدهم، قال لهم الشيطان: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدون هذه الأصنام، فعبدوها.