قد ذكرنا أن قوله: (أَلَمْ تَرَوْا) يقتضي تذكير أمر عرفوه، فأغفلوا عنه، فقد يقتضي تذكير أعجوبة لم يسبق من الخلائق العلم بها، يقول: قد رأوا أنه خلق سبع سماوات طباقا بغير علائق فوقها ولا أعمدة تحتها، ومن قدر على خلق مثله لقادر على خلق كل ما يريد؛ فيكون فيه إيجاب القول بالبعث؛ إذ إعادتهم ليست بأعسر من خلق السماوات في تقدير عقولكم، فمن قدر على خلقهن، لقادر على البعث، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ... (16).
منهم من يذكر أنه جعله نورا في السماء الدنيا، وأضافه إلى جملة السماوات.
وقد يجوز - أيضا - أن يضاف الشيء إلى العدد وإن لم يكن يوجد ذلك إلا في البعض، يقال: في سبع قبائل مسجد واحد، والمسجد إذا كان واحدا فهو لا يكون في سبع قبائل، وإنَّمَا يكون في قبيلة واحدة، ويقال: فلان توارى في دور قوم، وهو لا يكون متواريا في دور جملتهم، وإنما يكون متواريا في واحدة منهن، ثم أضيف التواري إلى الجملة فكذلك أضاف نور القمر إلى السماوات السبع وإن كان القمر في سماء واحدة.
ومنهم من ذكر أن نور القمر قد أحاط بجميع السماوات، وزعم أن وجهه إلى السماوات، وظهره إلى أهل الأرض، ولهذا ما يعمل عليه السواتر من السحاب وغيره، فأما نور وجهه فإنه لا يستره شيء من السواتر.
لكن هذا إنما يعرف بالخبر، فإن صح عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خبر، فذلك هو، وإلا فالإمساك عن مثله أحق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا) فذكر السراج هاهنا مكان الضوء في موضع آخر، وهو قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً)، فذكر في القمر النور