وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13).
قال أبو بكر الأصم: تأويله كيف لا ترجون لله ثوابا فتعبدوه فيثيبكم بها، وقد علمتم أن الخير كله في يده، وأن الذي تعبدون من دون اللَّه لا يملكون لكم نفعا ولا يدفعون عنكم ضرًّا؛ فجعل قوله: (وَقَارًا) مكان " عبادة "، واللَّه أعلم.
وقال غيره: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)، أي: ما لكم لا ترجون لأنفسكم عند الله منزلة وشرفا وقدرا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي: ما لكم لا تخافون عظمة اللَّه وقدرته عليكم؛ فتنتهوا عما نهاكم وتأتوا ما أمركم به، وحمل الرجاء على الخوف؛ لما قد ذكرنا أن الرجاء المطلق يقتضي الخوف والرجاء جميعا، وكذلك الخوف المطلق يقتضي رجاء، واللَّه أعلم.
والأشبه بالتأويل عندنا: أن الرجاء لله تعالى على مثال الغضب لله، والحب لله، والبغض لله، أي: ما لكم لا تسعون سعي من يرجو ما عند اللَّه على الوقار والهيبة، بعد أن شاهدتم من نعم اللَّه تعالى وإحسانه إليكم من خلق أن سماوات والأرض، وتسخير الشمس والقمر، وما ذكر من منته في الآيات التي يتلوها؛ وذلك أن المرء إذا سعى لآخر على غير رجاء أو لم يرج أحدا، استحقر به، فألزمهم نوح - عليه السلام - سعي من يرجوه على التوقير والهيبة على ما عليه العادة في الشاهد أن الساعي للملوك والكبراء على الرجاء كيف يكون منهم توقيرهم إياهم وهيبتهم منهم، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14).
فمن حمل قوله: (لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) على حقيقة الرجاء، فتأويله: كيف لا ترجون أن يعظم قدركم عند اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - إذا أجبتم إلى ما دعاكم إليه، وفيما ذكر من خلقه إياهم أطوارا تذكير لهم حسن صنيعه بهم فيما قلبهم من حال إلى حال من أول ما أنشأهم إلى حالهم التي هم فيها، فكيف لا يرجون إحسانه في حادث الأوقات إذا أقبلوا على طاعته واشتغلوا بعبادته؟!
وإن كان قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) على الخوف، ففيما ذكر من قوله - عز وجل -: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) تذكير العظمة والسلطان والقدرة، وهو أنه دبركم في تلك الظلمات الثلاث، ولم يخفَ عليه أحوالكم فيها، بل قلبكم من حال إلى حال كيف شاء،