أو يكون معناه: أن يبصروا ما سبق منهم من الذنوب والأجرام، فيعرفونها، وتصير لهم حاضرة.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ... (14) ففي هذا أنه يستقبلهم في ذلك هول وفزع لم يكن لهم بمثله عهد في الدنيا، ولا كان خطر ببالهم ذلك؛ لأن المرء لا يبلغ به الهول في الدنيا مبلغا يود أن يفتدي به ببنيه وصاحبته، وأخيه، وأقربائه، وجميع من في الأرض؛ فيكون فيه إخبار عن شدة هول ذلك اليوم؛ ليحمل الناس على الإنابة إلى اللَّه تعالى والانتهاء عما نهاهم عنه.
ثم بدأ بذكر البنين والأقربين وأنهاه بالأبعدين، وحق هذا أن يبدأ بالأبعدين، ثم يختم بذكر الأقربين؛ لأن المرء قد تسخو نفسه بفداء الأبعدين، ويضن ببذل الأقربين فداء، فإذا سخت أنفسهم في ذلك اليوم بفداء البنين والأقربين فلأن تسخو بفداء الأبعدين أحق، وإذا كان كذلك فغاية التهويل والتفزيع أن يبدأ بذكر الأباعد، ويختم بذكر الأقارب، فكيف ابتدأ بذكر الأقربين؟ فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنه إنما يتوصل إلى فداء أهل الأرض إذا كان له عليهم ملك وكانوا بأجمعهم له، وإذا كانوا جميعا له ملكا؛ كانت شفقته على ملكه وأولاده واحدة أو أكثر، فكما يضن ببذل أولاده، وأن يكونوا عنه فداء، فكذلك يضن بالأباعد إذا كانوا جميعا ملكا له؛ فلذلك استقام أن يبدأ بذكر الأقربين قبل الأبعدين، إذ كل ذلك يستوي في التهويل والتفزيع، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون ذكر الأقربين وذكر أهل الأرض ليس على جهة الأولى، ولكنه ذكر الآحاد أولا، ثم ذكر الجماعة ثم ذكر جماعة الجماعة؛ ليعلموا ألا ينفعهم الفداء في ذلك اليوم، وأن الذين ودوا الفداء؛ ليتخلصوا من عذاب اللَّه تعالى لا يشتد عليهم ما فدوا، وإن كان ذلك ملء الأرض، واللَّه أعلم.
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (ثُمَّ يُنْجِيهِ) رد وتنبيه ألا ينجيه ذلك اليوم.