القائل: (فلان ما فلان) يوجب اجتذاب الأسماع ويستدعي السامع إلى البحث في الشاهد؛ لأنه إنما يذكر فلانًا بهذا؛ لأعجوبة فيه، أو لعظم أمره، فيستبحث عن ذلك؛ ليوقف على تلك الأعجوبة التي فيه، فإن كان الخطاب للمكذبين دعاهم ذلك إلى تعرف ما فيه من الأعجوبة والتعظيم، وفي قوله: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) مبالغة في التعجب وإذا نظروا فيه وفهموه دعاهم ذلك إلى الإيمان به، فصارت الآية في موضع الإغراء واجتذاب الأسماع.
وإِن كان الخطاب في رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فتأويله: أن المكذبين يؤذونه ويمكرون به فيتأذى بهم، ويشتد ذلك عليه، فذكر ما ينزل بهم من العذاب ويحق عليهم؛ فيكون فيه بعض التسلي عما أصابه من الأذى من ناحيتهم، أو ذكره أن العذاب يحق عليهم فلا يحزن بصنيعهم، بل يحمله ذلك على الشفقة عليهم والرحمة لهم.
وقيل: إن كان الخطاب في المكذبين، ففيه تخويف لأهل مكة وتهويل أنهم إن كذبوا رسولهم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يخبرهم من أمر البعث، نزل بهم من العذاب ما نزل بعاد وثمود بتكذيبهم الرسل، وقد عرف أهل مكة ما نزل بأُولَئِكَ.
وإِن كان الخطاب في رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ففي ذكر نبأ عاد وثمود ما يدعوه إلى الصبر على أذاهم، ويكون له بعض التسلي؛ لأنه يخبر أنك لست بأول رسول كذب، بل شركتك الرسل من قبل وابتلوا بالتكذيب، ثم بين ما نزل بعاد وثمود بالتكذيب بالقارعة، وهو قوله: (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) والطاغية والعاتية والرابية يمكن أن يجعل هذا كله صفة للعذاب الذي نزل بهم.
وجائز أن يكون صفة الأحوال التي سبقت منهم وما كانوا عليه، فإن كان هذا صفة العذاب، فالطغيان عبارة عن الشدة، والطاغي: هو العاتي، الشديد لا يراقب ولا يتقي، فوصف العذاب الذي أرسله عليهم أنه لم يُبْقِ منهم أحدًا، بل استأصلهم وأهلكهم بجملتهم.
وقيل: ذلك العذاب هو الصاعقة.
وقيل: الصيحة، وسمي: طاغية: ولم يقل: طاغي؛ لهذا.