كالمجرمين، وذلك مكتوب عندهم، أو عند سلفهم علم الغيب، فوجدوه في كتبهم، ويعلم به خلفهم ليخاصموك به، ثم هم قوم لم يكونوا يؤمنون بالكتب ولا بالرسل، فكيف يخاصمونك ويكذبونك فيما تخبرهم؟ وإنما يوصل إلى التكذيب بما ثبت من العلم بخلافه ويتأيد بأحد الوجهين اللذين ذكرناهما.
أو يكون هذا في موضع الاحتجاج عليهم حين زعموا أنا نعبد الأصنام؛ لِيُقَرِّبُونَا إلى اللَّه زلفى، ويكونوا لنا شفعاء، فما الذي حملهم على هذه الدعوى أم عندهم علم الغيب فهم يكتبون؟!
أو أن يكون القوم قد ألزموا أنفسهم الدِّينونة بدين اللَّه - تعالى - وأقروا له بالألوهية، وذلك يلزمهم العمل بما فيه تبجيل اللَّه تعالى، وما به يشكر الخلائق، وذلك لا يعرف إلا بالرسل - عليهم السلام - فقد عرفوا حاجة أنفسهم إلى من يعلمهم علم الغيب، فما لهم امتنعوا عن الإجابة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، مع حاجتهم إليه، أي: ما عندهم علم الغيب؛ فيستغنون به عن الرسول، عليه السلام.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48).
إن حكم اللَّه تعالى في الرسل ثلاث:
أحدها: ألا يدعوا على قومهم بالهلاك، وإن اشتد أذاهم من ناحيتهم حتى يؤذن لهم.
والثاني: ألا يفارقوا قومهم وإن اشتد بهم البلاء إلا بإذن اللَّه تعالى.
والثالث: ألا يقصروا في التبليغ وإن خافوا على أنفسهم.
ثم من وراء هذا عليهم أمران:
أحدهما: أنهم أمروا ألا يغضبوا إلا لله تعالى.
والثاني: ألا يحزنوا لمكان أنفسهم إذا آذاهم قومهم، بل يحزنوا لمكان أُولَئِكَ القوم إشفاقًا عليهم منه ورحمة بما يحل عليهم من العذاب بتكذيبهم الرسل، فهذا هو حكم ربه.
ويحتمل أن يكون قوله تعالى: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي: لا تجازهم بصنيعهم ولا تستعجل عليهم، بل اصبر لحكم ربك بما حكم عليهم من العذاب.