فكان في ذكره بالعيوب التي هي فيه زجر الناس عن طاعته؛ فذكرها لإثبات هذا الوجه، لا أن يكون فائدتها تحصيل الشتم والهجاء؛ وكذلك ذكر أبا لهب بالتب والخسار وما هو عليه من الفواحش؛ ليزجر الناس عن اتباعه.
وفي هذه الآيات دلالة نبوة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الوجه الذي نذكره في سورة " تبت " إن شاء اللَّه تعالى.
ثم قيل: المهين من المهانة، ومن المهنة، ومن الوهن، وهو الضعف.
ثم قوله: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) جائز أن يكون استوجب المهانة؛ لكونه همازا مشاء بالنميم وبمنعه الخير واعتدائه؛ فيكون هذا كله تفسير (مَهِينٍ)، فإن كان هكذا فقوله: (مَهِينٍ) من المهانة هاهنا.
ثم لا يجوز أن يكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يخشى عليه طاعة من هذا وصفه، وأن يميل قلبه إليه، ولكن النهي لمكان غيره وإن كان هو المشار إليه بالذكر.
وجائز أن يكون قوله: (كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) تمام الكلام، ويكون قوله: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) على الابتداء؛ فكأنه يقول: لا تطع كل حلاف مهين، وكل هماز مشاء بنميم، وكل معتد أثيم، وكل عتل زنيم.
وتفسير الهمز يذكر في تفسير سورة الهُمَزَة، إن شاء اللَّه تعالى.
والمشاء بالنميم: هو الذي يسعى في الفرقة بين الإخوان، ويقوم فيما بينهم بالقطيعة.
والمناع للخير: قَالَ بَعْضُهُمْ: إنه كان يمنع أهل الآفاق مَنْ كان بحضرته عن اتباع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ويقول: إنه ضال مضل، فقيل: مناع للخير؛ لهذا.
ومنهم من ذكر: أنه كان يمنع ولده من الاختلاف إلى مجلس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وجائز أن يكون منعه للخير هو امتناعه عن أداء الحقوق التي لله تعالى الواجبة في ماله.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مُعْتَدٍ).
أي: معتد حدود اللَّه تعالى، أو ظالم لنفسه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَثِيمٍ).