وجائز أن يكون نسبوه إلى الاغترار فيما كان يدعي من الرسالة، ويزعمون أنه مغتر بها، ويغر بهما غيره كما قال المنافقون: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)، فحق هذا عندنا ألا يتكلف تفسيره؛ لأنه قال: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)، فذكر هذا جوابا عما وقعت فيه الخصومة، فكانوا يزعمون أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو المفتون، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يذكر أنهم هم المفتونون، فخرج هذا جوابا عن تلك الخصومة: أنهم وأنت ستبصرون، وقد وقعت الخصومات من أوجه:
فمرة كانوا يدعون أنه ساحر، ومرة كانوا يدعون أنه مجنون، ومرة بأنه ضال، ومرة أنه مفترٍ وغيرها من الوجوه، فإذا ثبت أن الآية نزلت في حق الجواب فما لم يعلم بأن الخصومة فيم كانت، لم يعلم إلى ماذا يصرف الجواب، واللَّه أعلم.
ويشبه أن تكون الخصومة الواقعة في الضلال والهدى، فكانوا يدعون أنهم على الهدى، وأنهم باللَّه أحق وإليه أقرب من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يدعي أنهم على الضلال، وأنه على دين الحق والهدى، يدل على ذلك ذكر الضلال والهدى بعد ذكر المفتون، وهو قوله: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7).
ثم هذه الآيات كأنها نزلت جوابا من اللَّه تعالى عما كان يحق لمثله الجواب عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ولكن اللَّه تعالى لما امتحن رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالعفو والإعراض عن المكافأة في الجواب، تولى اللَّه تعالى الجواب عنه بقوله - تعالى -: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ)، أي: قد تعلمون أن ربكم أعلم، (بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وسنبين لكم ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وقال في موضع آخر: (وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا)، ليس في قوله: (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) أمر من اللَّه تعالى بأن يطيع المصدقين؛ لأن من صدقه وآمن به لا يجوز له أن يتقدم بين يديه فيأمره أو ينهاه عن