نحتاج إلى معرفة ذلك؛ لأن الصوت المنكر أمر ظاهر ممن لا يعقل الصوت كهو من الذي يعقل، فليس الذي يعقل الصوت أولى أن يجعل الفعل له من الذي لا يعقل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ).
أي: تغلي، ثم النار بنفسها لا تغلي، وإنما تغلي بالذي يجعل فيها؛ ففيه أن طعامهم وشرابهم في النار النار فيغلي النار بطعامهم وشرابهم.
وقوله: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8).
فجائز أن يكون هذا كناية عن الخزنة.
وجائز أن يكون هذا وصف النار، ولله تعالى أن يجعل في جهنم، وفيما شاء من الأموات ما يعرف به عظمته وجلاله، فيغضب له على أعدائه غضبا يكاد أن ينقطع في نفسه؛ ويسلم لأوليائه.
ثم في ذكر غضبها تذكير أن من حق اللَّه تعالى على أوليائه أن يغضبوا له على أعدائه غضب جهنم عليهم، بل جهنم أبعد عن أن تمتحن بذلك منا، ثم هي بلغت من الغضب على أعداء اللَّه تعالى مبلغا كادت تتقطع بنفسها، فالأولياء أحق أن يوجد منهم هذا الوصف، وقد مدح اللَّه تعالى الذين مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لما أوجد، فيهم من الشدة على الأعداء، وذلك قوله - تعالى -: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) وقال: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، وهكذا الحق على كل مؤمن أن يكون على هذا الوصف.
وفيه حكمة أخرى: وهي أنه ذكر شدة النار على أهلها؛ لئلا يقولوا يوم القيامة: (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) ينذركم لقاء يومكم هذا (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ).
وهذا هو إخبار عن نهاية أمرهم وآخر شأنهم؛ وذلك أنهم فزعوا في الآخرة إلى اليمين بالكذب، فقالوا: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)؛ رجاء أن ينفعهم ذلك