فجائز أن يكون الكلمات هي التي بشرت بها مريم من قوله: (إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ)، وقوله: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ)، وقوله: (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ)، وقوله: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ)، فصدقت بجملتها أنها من عند اللَّه، لا شيء ألقى إليها الشيطان.
أو (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا) أي: بحجج ربها وبراهينه؛ لقوله: (وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)، أي: بحججه: وأدلته.
ثم تكون الحجج حجج البعث أو حجج الرسالة أو الوحدانية، أو يكون قوله: (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا)، أي: بالكلمات التي يستعاذ بها من الشرور، فصدقت أنها تعيذ من تعوذ بها، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (وَكُتُبِهِ)، وقرئ (وَكِتَابِهِ).
وفي تصديقها بالكتاب تصديق منها بالكتب؛ لأن من آمن بكتاب من كتب اللَّه تعالى، فقد آمن بسائر كتبه؛ لأنها يوافق بعضها بعضًا، ومن آمن بكتبه فقد آمن بكل كتاب له على الإشارة إليه؛ فثبت أن في الإيمان بكتاب إيمانًا بسائر الكتب، فكل واحدة من القراءتين تقتضي معنى القراءة الأخرى؛ فإن قوله: [(وَكِتَابِهِ)] أي بالإنجيل، وقوله [(وَكُتُبِهِ)] أي: بالإنجيل وسائر الكتب المتقدمة المنزلة من عند اللَّه تعالى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ).
قيل: من المصلين؛ لأنه قال في آية أخرى: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)، وإذا وصف الصلاة، فالتزمت هذا الأمر؛ فصارت من القانتين.
وقيل: أي: من المطيعين لربها، واللَّه أعلم بالصواب.
* * *