فجائز أن يكون هذا وصفهم: أنهم خلقوا غلاظا شدادا.
وجائز أن يكونوا أشداء على الكفار وأعداء اللَّه تعالى، رحماء على أوليائه، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، فبين أن اشتدادهم؛ لمكان الأمر؛ وهو كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، وصفهم بالشدة على الكفرة وبالرحمة على المؤمنين؛ فجائز أن يكون الملائكة كذلك في الآخرة، وفي هذا دلالة أن الملائكة امتحنوا بالأمر والنهي في الآخرة؛ لأن ملائكة الرحمة امتحنوا بإتيان التحف والكرامات إلى أهل الجنة، وملائكة العذاب امتحنوا بتعذيب أهل النار وبالغلظة عليهم والشدة، وإذا أمر كل واحد من الفريقين بما ذكرنا، فقد نُهي عن تركه.
قال أبو بكر الأصم: في قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، وفي قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا. . .) الآية إلزام الوعيد بأهل الصلاة لأنه ألزمهم الاتقاء من النار، وألزمهم التوبة؛ ليكفر عنهم سيئاتهم، ولو لم يكن الوعيد لازما عليهم لم يكونوا يحتاجون إلى الاتقاء، وهذا منه ومن جملة أهل الاعتزال تحريف الكلام عن مواضعه؛ لأن اللَّه تعالى ذكر هذا الوعيد في أهل الإيمان بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)، ولم يذكر اللَّه - تعالى - أهل الصلاة، ولا ألحق بهم الوعيد، فهم يقطعون الوعيد عمن ألحق اللَّه تعالى بهم الوعيد وهم المؤمنون، ويلزمونه على من لم يجر ذكره في القرآن من أهل الصلاة ولا ألحق به الوعيد، وهذا تحريف الكلام وقلب القصة؛ ولأنه صار من أهل الصلاة بإيمانه؛ إذ لولا إيمانه لما كان هو من أهل الصلاة، فإذا ألحقوا الوعيد بأهل الصلاة فقد ألحقوه بأهل الإيمان؛ فلم يبق بيننا وبينهم إلا سوء الخلق، وإلا فلا معنى لقلبه عن أهل الإيمان وإلحاقه بأهل الصلاة، وأهل الصلاة هم أهل الإيمان.
ثم الوعيد على قولهم إنما يلزم أهل الإيمان في وقت خروجهم من الإيمان، ونحن