ومنهم من يذكر: أن ذلك اليوم كان يوم عائشة - رضي اللَّه عنها - فاطلعت حفصة على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وجاريته مارية، فأمرها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن تكتم عليه، فأخبرت حفصةُ بما رأت عائشةَ - رضي اللَّه عنها - فغضبت عائشة، فلم تزل بنبي اللَّه حتى حرمها، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية.
وقال عكرمة: نزلت الآية في امرأة يقال لها: أم شريك وهبت نفسها للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ فلم يقبلها النبي - عليه السلام - طلبا مرضاة أزواجه؛ فنزلت الآية، واللَّه أعلم.
ومنهم من قال: إن الذي حرمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان عسلا، كان رسول اللَّه - عليه السلام - شربه عند بعض نسائه، فقالت امرأة من نسائه لصاحبتها: إذا جاءك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقولي له: ما ريح المغافير فيك؟ فقالت للنبي؛ فحرمه النبي - عليه السلام - فنزلت هذه الآية.
وليس لنا إلى تعرف السبب الذي وقع التحريم به، ولا إلى تعيين الشيء الذي حرمه النبي - عليه السلام - حاجة، ولكنا نعلم أن الأمر الذي كان فهو جرى بينه وبين زوجاته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
أي: غفور لما تقدم من ذنبك وما تأخر لو كان.
أو يكون رحيما؛ حيث لم يعاقبك بما اجترأت من الإقدام على اليمين؛ لا بإذن سبق من اللَّه تعالى لك فيه.
أو غفور رحيم عليك وعلى زوجتيك إن تابتا ولم تعودا إلى صنيعهما.
أو غفور رحيم بما خفف عليك من مؤنة العشرة، ولم يحمل عليك ما حملت على نفسك.
وقوله - تعالى -: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2).
فمنهم من يحمل هذا على ابتداء الخطاب، ويصرف المراد إلى غير رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قد كان غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ بحكم وعد اللَّه - تعالى - فلم يكن يحتاج إلى التكفير، لإزالة المأثم.
ولكن نحن نقول: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إن كان هذا محله، فهو وأمته في أحكام الشرائع مأخوذون، ويكون على هذا مغفرة زلاته: ما تقدم وما تأخر بمباشرة أسبابها من التوبة والكفارة، ونحو ذلك؛ فيكون قوله تعالى: (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) منصرفا إلى