موضع آخر: (يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ)، فإذا كانت التقوى يستفاد بها الرزق والبر في الأمور وكفارة الذنوب، والتجارة لا يكتسب بها إلا منافع الدنيا، فرغبهم فيما فيه جملة المنافع وهو التقوى؛ ليمكثوا عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فيقول: رغبتكم فيما يكسبكم جملة المنافع إن اتقيتم ومكثتم عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - خير من اللهو ومن التجارة التي تُكْسِبكم منفعة واحدة، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
ليس يقتضي ذكر هذا أن هناك رازقا آخر؛ ليكون هو خيرهم، ولكن المعنى من هذا كالمعنى في قوله: (أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)، و (أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)؛ لأنه كان هو خير الرازقين، وأحسن الخالقين، وأحكم الحاكمين؛ لأنه لا يحكم إلا عدلا، ولا يخلق إلا ما فيه حكمة؛ فكذلك قوله: (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).
وجائز أن يضاف الرزق والخلق والحكم إلى العبيد مجازا، فقال: (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ممن يرزقكم؛ لأن غيره من الخلق إنما يرزق غيره من رزقه، ويعدل بحكمه، ويفعل بتوفيقه وتسديده، فقال: (وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) الذين يرزقون من رزقه، واللَّه أعلم.
* * *