فكأنه أمرهن أن ينتهين عن هذه المناهي وأن يتبعن أمره؛ ألا ترى إلى قوله: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ)، يجوز أن يكون هذا كناية عن الأمر؛ لأنه بين النواهي والمناكير، ثم قال اللَّه - تعالى -: (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ)؛ فكأنه أمرهن أن ينتهين عن هذه المناهي وأن يتبعن أمره؛ ألا ترى إلى قوله: (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ)، ولم يقل هاهنا: امتحنوهن، كما قال في المهاجرات، ومعنى ذلك عندنا وجهان:
أحدهما: أنه قد تبين هاهنا وجه الامتحان بقوله: (لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ)، فاستغنى عن ذكر الامتحان.
والوجه الثاني: أن المهاجرات إنما كن يأتين من دار الحرب، ولم يكن علمن الشرائع؛ فاحتجن إلى الامتحان، وأما هَؤُلَاءِ: كن في دار الإسلام، وقد علمن شرائعه؛ فلم يذكر الامتحان لذلك، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ) هذا يدل على أن الكبائر لا تخرجهن عن الإيمان؛ لأنه يعلم أن الاستغفار لما يجيء منهن من تضييع هذه الحدود ولو كن يخرجن بتضييعها من الإيمان لم يؤمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالاستغفار لهن؛ لأن الاستغفار طلب المغفرة، ويستحيل أن يطلب منه مغفرة من ليس له غفران؛ فدل على ما وصفنا: أن ارتكاب الكبائر لا يخرج صاحبه من الإيمان، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ).
فكأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أمَرنا أن نغضب على من غضب هو عليه، وأن نعادي من عاداه، ونوالي من والاه.
وقوله: (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) الآية.
له تأويلان:
أحدهما: يعني به: الذين غيروا نعت نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وحرفوه من التوراة؛ فكأن في التوراة أن اللَّه تعالى آيسهم من ثوابه في الآخرة، كما أيس الكفار من أصحاب القبور أن يبعثوا.
ويجوز أن يكون معناه: ييئس هَؤُلَاءِ من رحمة اللَّه، كما يئس الكفار الذين هم في القبور من رحمة اللَّه، تعالى.