يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ)، فإذا قبلن ذلك كله كان ذلك امتحانهن، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بِإِيمَانِهِنَّ).
هذا يدل على أن الذي كلف به المؤمنون من امتحانهن؛ إنما هو لما يعلمون من إيمانهن في الظاهر وأن الحقيقة إنما يعلمها رب العالمين، وهذا يبين أن العلم علمان: علم العمل وعلم الشهادة، فعلم العمل: ما يعلمه الخلق في الظاهر فيعملون به، وعلم الشهادة: ما يجوز أن يشهد على اللَّه به، وذلك إنما يوصل إليه، وذلك بما يطلعهم الله عليه نصا إما بكتاب أو بسنة متواترة عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وعلم العمل هو الذي يساغ فيه الاجتهاد، نحو: خبر الآحاد وجهة القياس وغير ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ).
ذكر في القصة أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - صالح عام الحديبية مشركي أهل مكة على أن من أتاه من أهل مكة فهو عليهم رد، ومن أتى مكة من أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فهو لهم، وغير ذلك، وكتب بذلك كتابًا وهو بالحديبية، فلما فرغ من الكتاب إذ أتت سبيعة مسلمة، فجاء زوجها إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول اللَّه، رد علي امرأتي؛ فإنك قد شرطت لنا ذلك، وهذه طيبة لم يخف بعد؛ فأنزل اللَّه - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)، يقول: لا تردوهن إلى أزواجهن الكفار.
(لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).
يقول: لا يحل نكاح مؤمنة لكافر ولا نكاح كافر لمؤمنة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا).
يقول: أعطوا زوجها الكافر ما أنفق عليها، على ما كان جرى من الصلح بينهم وبين المسلمين: أن ما خرج من نساء أهل مكة إلى المدينة مؤمنات لم يرجعوهن إلى الكفار، وأعطوا أزواجهم ما أنفقوا من المهور، وما خرج من نساء المسلمين مرتدات لم يردوا إلى المدينة، وأعطوا أزواجهن ما أنفقوا.
ثم معلوم أنه كان يؤخذ بإعطاء الصداق وإيتاء ما أنفق غير الذي أخذ الصداق، ولكن