ثم المعنى في إضافة الإخراج إليه يخرج على وجهين:

أحدهما: أنه اضطرهم إلى الخروج فنسب الإخراج إليه؛ كما قال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا. . .) الآية.

والثاني: أنه خلق الخروج من ديارهم منهم؛ فأضيف إليه بحكم الخلق، ثم الأصل في إضافة الفعل إلى اللَّه تعالى أنه يجوز أن يضاف إليه على التحقيق وعلى التسبيب، وأما الخلق قلما يضاف الفعل إليهم على جهة التسبيب لا على التمكين، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ).

اختلفوا فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: أول الحشر الجلاء إلى الشام، والحشر الثاني: حشر القيامة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: أول الحشر حشر أهل الكتاب وجلاؤهم من جزيرة العرب، والحشر الثاني: حين أجلاهم عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى الشام.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) أي: ما ظننتم أيها المؤمنون أن تنتصروا منهم، فضلا عن أن يخرجوا من ديارهم، ولكن ذلك من لطف اللَّه ومنته عليكم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ).

لا يحتمل أن يتوهم أحد هذا، والمعنى في ذلك عندنا وجهان - واللَّه أعلم -:

أحدهما: أنهم ظنوا أن اللَّه - تعالى - حيث آتاهم القوة والحصون لا يبلغ بهم حكمه المبلغ الذي يخرجون من ديارهم؛ لأنهم كانوا أهل كتاب وكانوا يزعمون أنهم أولى بالله من غيرهم كقوله: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، ويكون قوله: (مِنَ اللَّهِ)، أي: باللَّه وبأمره؛ كقوله - تعالى -: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) أي: بأمر اللَّه؛ فعلى ذلك، الأول.

والثاني: أي: ظنوا أن حصونهم وقوتهم تمنعهم من أولياء اللَّه أن يظهروا عليهم، أو من دين اللَّه أن يظهر فيهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا).

يعني: أنه قذف في قلوبهم الرعب من حيث لم يحتسب المؤمن ولا الكافر؛ لأن المسلمين لم يظنوا أن يقهروهم ويغلبوهم؛ مع قلة عددهم وكثرة عدد أُولَئِكَ، وكذا لم يحتسب الكفرة أنهم مع قوتهم وقوة حصونهم يقهرون ويغلبون، حتى منَّ اللَّه - تعالى -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015