ومنهم من قال: حددته عن طريقه، أي: عدلته عنه، وبعضه قريب من بعض. وأصله ما ذكر: (يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، أي: يمانعون الناس ويزجرونهم عن الطريق؛ لئلا يأتوا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ويتبعوه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ).
قيل: غلبوا وردوا بغير حاجتهم كما غلب ورد الذين كانوا من قبلهم.
وقيل: أهلكوا كما أهلك الذين من قبلهم.
وقيل: أخزوا كما أخزي الذين كانوا من قبلهم. وكله قريب بعضه من بعض.
ثم يخرج تأويله على وجهين:
أحدهما: أي: كبت هَؤُلَاءِ الذين منعوا الناس عن اتباع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من أهل مكة، كما كبت من قبلهم.
أو كبت هَؤُلَاءِ الذين مانعوا الناس عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة، كما كبت الذين مانعوهم عنه بمكة؛ لأن هذه السورة مدنية، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ).
أي: آيات تبين حدود اللَّه من غير حدوده، أو ما يبين الحق من الباطل، والرسول من غيره، أو المحاد من غير المحاد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ).
أي: للكافرين كلهم عذاب يهينهم؛ كما أهانوا المؤمنين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6).
أي: الأولين والآخرين، والمحادين والموافقين.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ).
أي: ليبعثهم اللَّه جميعًا، فينبئهم بما عملوا من خير أو شر، أحصى اللَّه ما عملوا، وإن طال ذلك أو كثر، ونسوا هم تلك الأعمال. خرج هذا على الوعيد، وفيه دلالة رسالته؛ إذ أخبر أن اللَّه - تعالى - يحصي ذلك عليهم، وأنهم نسوا؛ فلم يتهيأ لهم أن ينكروا عليه أنهم لم ينسوا؛ دل أنه باللَّه علم ذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).