بل هو بيان تفصيل وأن حكمه القصر على المنصوص دون التعدي، واللَّه أعلم.

وفي الآية دلالة لصحة مذهب أبي حنيفة - رحمه اللَّه - في أن العتق يحتمل التجزئة، وهو أن يعتق بعضه، ويبقى الباقي بحاله ثم يعتقه بأوقات بعده؛ إذ قال: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)، أي: تحرير رقبة بلا مماسة في التكفير، ولو كان بعض العتق يوجب عتق الكل لكان لا يفيد قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا)، ألا يقع العتق إلا قبل المماسة؛ فلما قال دل أنه أراد - واللَّه أعلم - بألا تمسوهن عندما أعتقتم بعضه ولم تعتقوا الكل حتى يكمل ويتم فيه الإعتاق؛ ولهذا قال بأنه يلزمه الاستئناف في العتق كما في الصوم؛ فدل أن الإعتاق متجزئ، واللَّه أعلم.

ثم جعل الكفارة فيه ما ذكرنا، ولم يجعل الكفارة فيه التوبة والاستغفار فقط؛ لوجهين:

أحدهما: أنه لو جعل توبته به لكان لا يظهر ذلك، وأنه أمر بينه وبين المرأة؛ فلا يدري أنه تاب أو لم يتب، وربما يظهر التوبة بالقول وإن لم يتب حقيقة بقلبه؛ فتتهمه المرأة؛ فجعل التوبة فيه أمرا ظاهرًا يعرف به توبته؛ دفعًا للتهمة عنه، وتسكينًا لقلب المرأة، والله أعلم.

والثاني: أن اللَّه جعل الاستمتاع في النكاح نعمة عظيمة؛ فتشبيهها بالمحرم الذي يتأبد حرمته: أمر فظيع، فلم يجعل له الخروج منه بشيء لا يثقل عليه فيقدم ثانيًا وثالثًا لخفة أمره عليه؛ بل جعل ما يتألم عليه ويشتد عليه زجرا له عن مثله في المستقبل ولغيره: كما في الزنى وغيره من الأجرام.

ثم لم يجعل ملك اليمين للاستمتاع خاصة -وإن أبيح لهم ذلك- ولا جعل لهن قبل السادات حق الاستمتاع؛ فلم يصر تشبيههن بمن ذكر كفران نعمة عظيمة، ولا إبطال حق لهن قبل مواليهن؛ لذلك افترقا، واللَّه أعلم.

وقيل: إن الظهار كان طلاق قوم، فأبدل إلى تحريم المتعة، ولم يكن للإماء حظ من الطلاق، وهو الطلاق، ولم يكن لهن حظ من الذي صار وانتقل إليه. ولكن إن ثبت هذا كان طلاقًا يوجب حرمة لا ترتفع أبدًا، لا طلاقًا يوجب حرمة ترتفع بالنكاح، على ما تقدم ذكره. والإماء لم يكن لهن حظ من هذا التحريم؛ لعدم تصور ملك النكاح مع ملك اليمين، فأما لهن حظ من الحرمة المؤبدة بالمحرمية: فإن كان تلك الحرمة هي الأصل، وهن أصل لها، مع قيام ملك اليمين، يكن أهلا لما ينتقل إليه من الحرمة المؤقته؛ دل أن الطريق ما قلنا، واللَّه أعلم.

وفي الآية دلالة جواز تأخير البيان؛ لأن ذلك الرجل ظاهر من امرأته اشتد بهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015