أما خلاف الإجماع؛ فإن السلف والخلف أجمعوا على أن هذا ليس بمراد من الآية؛ فيكون قائله خارجا عن الإجماع.

وأما مخالفة الأصول؛ فلأن الحل والحرمة إنما تعلق وجوبهما بابتداء القول لا بتكراره في جميع الأصول من البياعات والنكاح والطلاق والعتاق والإجارات، فلما كان الأصل هذا في سائر الأسباب، والمظاهر موجب للحرمة بقوله؛ دل أن الموجب هو القول الأول دون الثاني؛ فيكون تعليق الحرمة بتكرار الموجب؛ مخالفة لسائر الأصول، وبهذا يبطل قول الشافعي في أن تعلق الحرمة بتكرار الرضعات لا برضعة واحدة، واللَّه أعلم.

ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أمر بالكفارة في حق أوس، ولم يسأله عن تكرار القول، ولما لم يسأل دل أن الحكم غير متعلق بالتكرار.

وما قاله الشافعي: أنه إذا طلقها بعد الظهار بلا فصل فلا كفارة عليه، وإن لبث ساعة، ثم طلقها، كفَّر راجعها أو لم يراجعها، أو ماتت - قول تفرد به؛ لأن طاوسا أوجب عليه الكفارة طلقها أو أمسكها، وسائر التابعين قالوا: إن ماتت أو طلقها، ولم يراجعها فلا كفارة عليه، ولم يفصلوا بين أن يطلقها على أثر الطلاق بلا فصل، أو بعد ذلك بساعة؛ فيكون الشافعي بهذا القول مخالفا للسلف؛ فلا يعتبر، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) ظاهره يقتضي أن يكون الوطء محظورا عليه قبل الكفارة؛ لأنه جعل الحرمة مؤقتة بالكفارة، وإذا وطئ يسقط الظهار والكفارة؛ لأن كل ما تعلق بشرط أو توقت بوقت، فمتى فات الوقت، أو عدم الشرط، لم يجب لذلك النص، واحتيج إلى دلالة أخرى في إيجاب مثله في الوقت الثاني، إلا أنه قد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أن رجلا ظاهر من امرأته فوطئها، ثم سأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال له: " استغفر اللَّه، ولا تعد حتى تكفر "، فصار التحريم الذي بعد الوطء عرفناه بالسنة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) يرجع إلى وجهين:

مرة إلى اسم الرقبة.

ومرة إلى ما يستحكم حكم الرقبة.

فإن كان المراد من ذكر الرقبة اسم الرقبة نفسها، فيجيء أن يجوز كل ما يقع عليه اسم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015