آتاكم عن الشكر حتى تفوتكم الزيادة على ذلك؛ لأن اللَّه تعالى وعد الزيادة على النعمة إذا شكر بقوله: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)، واللَّه أعلم.
والثالث: يقول: لا تأسوا على ما فاتكم، ولكن انظروا إلى ما كان منكم من الجريمة حتى فاتكم ذلك؛ حيث قال: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)، يقول: لا تأسوا على ما فاتكم، ولكن انظروا إلى تفريطكم في جنب اللَّه، وارجعوا عن ذلك؛ وكذلك يقول: لا تفرحوا بما آتاكم، ولكن انظروا إلى إحسان اللَّه الذي كان إليكم، واللَّه أعلم.
ويحتمل: أن يقول: (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)، ولكن انظروا إلى ما امتحنكم به وابتلاكم؛ إذ هو امتحن بعضا بالشدائد والبلايا، وأمرهم بالصبر على ذلك، وبعضا بالسعة والرخاء، وأمرهم بالشكر على ذلك، فاصبروا ولا تجزعوا إن فاتكم النعم وأصابتكم المصائب، واشكروا له، ولا تفرحوا عند النعم فرحا يكون بطرا وأشرا.
أو يقول: لا تأسوا على ما فاتكم؛ فإن الذي أخذ من النعم لم يكن في الحقيقة لكم، إنما هو لغيركم، ومن كان عنده مال لآخر فأخذه لا يجب أن يحزن على ذلك، ولا تفرحوا بما آتاكم، فإن النعم التي آتاكم يجوز أن تكون لغيركم لا لكم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) قرئ ممدودًا ومقصورا، فمن مده، رد الفعل إلى اللَّه تعالى، ومن قصره جعل الفعل لذلك الشيء؛ لموافقة قوله: (عَلَى مَا فَاتَكُمْ)، ولم يقل: أفاتكم.
وقوله: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)، ولكن يحب ضد ذلك وخلاف المختال المتكبر، فيحب المتواضع الخاضع.
والفخور هو الذي يفتخر بما أنعم اللَّه عليه على الناس، فيحب الذي يشكره على نعمه بالتوسيع على عباده.
وجائز أن يكون هذا كله وصف الكفار؛ كأنه يقول: لا يحب كل كفار؛ كقوله: (صَبَّارٍ شَكُورٍ)، أي: يحب المؤمن؛ لأن المؤمن يكون صبارا على المصائب، شكورا لنعمائه، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24) جائز أن يكون هذا صلة قوله: (لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) تفسيرا له.
وجائز أن يكون على الابتداء، وهو كقوله: (وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ