سلك ظاهره، أفضاه إلى العذاب.
وجائز أن يُفتح من النار إلى الجنة باب؛ فيرون ما حل بهم من العذاب، ويرون أهل النار أهل الجنة على ما هم عليه من النعيم؛ ليزداد لهم حسرة وندامة.
أو يكون اطلاعا لا من باب، ولكن من السور والأعراف الذي ذكر، وهو ما قال: قوله تعالى: (فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ)، والاطلاع في الظاهر إنما يكون من مكان عال مرتفع إلى موضع منحدر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14) أي: ينادي أهل النفاق المؤمنين ألم نكن معكم قالوا بلى، جائز أن يكون هذا القول منهم (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) تغرير منهم للمسلمين يومئذ كما كانوا يغرونهم في الدنيا، وهو ما أخبر عنهم، يكذبون في الآخرة كما كانوا في الدنيا؛ حيث قال: (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ)، ثم أخبر أنهم هم الكاذبون في حلفهم؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قولهم: (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) يخرج على تغريرهم إياهم.
ثم الإشكال والكلام قول المؤمنين: (بَلَى)، وقد علموا أنهم لم يكونوا معهم، فكيف قالوا: بلى؟ فنقول: جائز أن يكون جوابهم خرج لأُولَئِكَ على ما عرفوا من خطابهم ومرادهم، فأجابوهم على ذلك.
أو أن يكون قولهم: بلى إن كنتم تقولون بأنا معكم، ولكن لم تكونوا معنا.
أو يخرج جوابهم على ظاهر ما يرون من أنفسهم الموافقة دون الحقيقة.
وقوله: (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) يخرج على وجوه:
أحدها: امتحنتم أنفسكم في الرجوعِ إلى من جعل لكم المنافع والعاقبة، كقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) أي شدة، وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي: أثمتموها.
وقوله: (وَتَرَبَّصْتُمْ) يخرج على وجهين:
يحتمل تربصتم برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه سيموت عن قريب، أو أنه يرجع عن الإسلام إلى دين أُولَئِكَ الكفرة.
وقوله: (وَارْتَبْتُمْ)، أي: شككتم وإن قام لكم ما يدفع الارتياب والشك عنكم والشبه.
وقوله: (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ) يخرج على وجهين:
أحدهما: ما ذكرنا من اتباعهم المنافع التي كانوا يتوقعونها فكيفما كان يتبعون غرضهم في ذلك.
والثاني: ما تمنت أنفسهم من موت رسول اللَّه وهلاكه، أو عوده إلى دينهم.