النُّجُومِ)، أي: بمساقطها.
والأشبه: أن يكون قوله: (إِذَا هَوَى) أي: إذا سارت سيرًا دائمًا في سيرها؛ لأنها أبدا تكون في السير، وفي سيرها منافع الخلق من الاهتداء للطرق وغيرها، ولما ليس في مساقط النجوم وغيبوبتها كثير حكمة حتى يقسم بذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2).
يخرج على وجهين:
أحدهما: أي: ما ضل عما نزل به القرآن، وعما أمر به؛ لأنهم كانوا يدعون عليه الضلال: أن خالف دينهم ودين آبائهم، فقال: ما ضل هو عما أمر به، وما غوى.
والثاني: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)؛ إذ ليس بساحر؛ ولا شاعر؛ لأنهم كانوا يقولون: إنه شاعر وإنه ساحر، فقال: ليس هو كذلك ما ضل بالسحر، وما غوى بالشعر؛ على ما قال (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)، بل رشد واهتدى، وهو ما قال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) أي: ما ينطق عما يهوي به نفسه؛ بل إنما ينطق عن الوحي بقوله: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) وإلَّا جائز أن يصرف قوله تعالى: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) إلى اللَّه تعالى؛ إذ اللَّه تعالى قد أضاف تعليمه إلى نفسه بقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الرَّحْمَنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ)، لكن أبان بقوله: (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) أن المراد غيره؛ إذ هو لا يوصف بأنه (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى)، وهو جبريل - عليه السلام - على ما قال أهل التأويل.
ثم أضاف التعليم مرة إلى جبريل - عليه السلام - ومرة إلى نفسه، فالإضافة إلى جبريل - صلوات اللَّه عليه - لما منه سمع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وتلقف.
والإضافة إلى اللَّه تعالى تخرج على وجهين:
أحدهما: أضاف إلى نفسه؛ لما أنه هو الباعث لجبريل إليه، والآمر له بالتعليم، والخالق لفعل التعليم من جبريل، عليه السلام.
والثاني: لما يكون من اللَّه - سبحانه وتعالى - من اللطف الذي يحصل به العلم عند التعليم؛ ولهذا يختلف المتعلمون في حصول العلم مع التساوي في التعليم؛ لاختلافهم في آثار اللطف، واللَّه الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى. . .) الآية.
قال أهل التأويل: (ذُو مِرَّةٍ) أي: ذو قوة.