أي: طاغون في ذلك، والطغيان: هو المجاوزة عن الحد في العداوة.
وقوله: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) أي: يعلمون أنك لست بمتقول، ولكن ينسبونك إلى التقول، لتكذيبهم بآيات اللَّه تعالى؛ وهو ما ذكر في آية أخرى: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ) -بالتخفيف والتشديد- (وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ)، يقول: إنهم لا يقولون: إنك كاذب فيما تقول، ولا ينسبونك إلى الكذب، ولكن إنما يكذبون الآيات، ويعتقدون كذبها؛ فعلى ذلك تقوله على علم منهم: أنك لم تتقول، ولكن اعتقدوا تكذيب الآيات والجحود لها، فيقولون: إنك تتقول من أعند نفسك، قال: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أي: لو كانوا صادقين بأن محمدًا يتقول على اللَّه، فليأتوا بمثل ما أتى به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) وإن خرج مخرج الأمر في الظاهر، فهو في الحقيقة ليس بأمر؛ لأنه لا يحتمل أن يأمرهم أن يأتوا بالكذب والافتراء، ثم هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: على الإعجاز عن أن يأتوا بمثله.
والثاني: على التوبيخ والتوعيد على ما قالوا على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الافتراء والتقول، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35).
قال عامة أهل التأويل: أم خلقوا من غير أب، ولكن ليس فيما ذكروا كثير فائدة، لو خلقوا من غير أب، إلا أن يريدوا بذلك: حتى لم يعرفوا من خلقهم، وممن خلقوا، بل كانت لهم آباء عودوهم وأعلموهم بأن لهم خالقا، وأنهم مخلوقون، وليسوا بخالقين، أو كلام نحوه، فكيف يتكلمون بما هو سفه، وكيف يصرون عليه.
وعندنا يخرج على وجهين:
أحدهما: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي: يعلمون أنهم لم يخلقوا لغير شيء، إذ لو خلقوا من تراب، ولغير معنى وحكمة، لكان خلقهم عبثًا باطلا، وهم يعلمون أنهم لم يخلقوا لعبًا باطلا.
والثاني: يقال: لا يخلو إما أن يكون خلقوا من غير شيء، أو خلقوا من تراب وماء، فكيفما كان؛ فدل أن قدرته ذاتية لا مستفادة؛ فلا يحتمل أن يعجزه شيء.